
الدار/ غيثة حفياني
شهدت بعض المدن المغربية موجة من الاحتجاجات قادها شباب من جيل جديد يسعى للتعبير عن مطالبه الاجتماعية والاقتصادية، وعلى رأسها تحسين خدمات الصحة والتعليم وفرص الشغل. غير أن هذه التحركات، التي يفترض أن تظل سلمية ومؤطرة بروح المواطنة، انزلقت في لحظات معينة إلى أعمال شغب وحرق لمقاهٍ ومحلات تجارية، وهو ما أثار استنكاراً واسعاً لدى الرأي العام.
فحين يتحول الاحتجاج من وسيلة للضغط المشروع على الدولة إلى اعتداء على ممتلكات خاصة أو عامة، يصبح المتضرر الأول هو المواطن البسيط. صاحب المقهى أو التاجر الذي قضى سنوات من الكد والعمل لتأمين رزقه ورزق أسرته يجد نفسه بين عشية وضحاها ضحية لفوضى لا ذنب له فيها. هنا يغيب الهدف الأساسي للاحتجاج وهو المطالبة بالحقوق، ليحل مكانه الإضرار بحقوق مواطنين آخرين قد يكونون بدورهم من نفس الفئة الاجتماعية التي خرجت إلى الشارع.
الحق في التظاهر السلمي مكفول دستورياً، والقمع الأمني لأي صوت مطلبي يظل مرفوضاً ومداناً، لكن في المقابل، لا يمكن تبرير العنف ولا التعدي على الممتلكات العامة والخاصة تحت أي ذريعة.
لا إصلاح حقيقي يمكن أن يقوم على الفوضى، ولا عدالة اجتماعية يمكن أن تتحقق على أنقاض متاجر محروقة أو مؤسسات مخربة.
إن ما يحتاجه الشارع المغربي اليوم هو وعي جماعي يحصن الاحتجاج من أي اختراق أو انحراف، عبر تنظيمه في إطار سلمي واضح الأهداف بعيداً عن الاستغلال من قبل أطراف لا علاقة لها بالمطالب الاجتماعية. فالمواطن الذي يخرج للشارع مطالباً بالعدالة والكرامة لا يمكن أن يقبل أن يساهم – ولو من غير قصد – في تدمير رزق جاره أو صديقه أو أحد أفراد أسرته.
إن الدفاع عن الحق يمر أولاً باحترام حقوق الآخرين، وحماية الممتلكات الخاصة والعامة تبقى واجباً وطنياً لا يقل أهمية عن الدفاع عن الحق في الصحة والتعليم والعيش الكريم. وبقدر ما يجب أن ندين القمع الأمني غير المبرر، علينا أيضاً أن نجرّم كل مظاهر التخريب والشغب التي لا تخدم سوى إضعاف ثقة المواطنين في جدوى الاحتجاج السلمي.
فالاحتجاج الناضج والمسؤول هو الذي يضغط في الاتجاه الصحيح من أجل إصلاح السياسات العامة، بينما العنف لا يجلب سوى الخراب ويمنح مبررات جاهزة لتشويه المطالب المشروعة. المغرب اليوم في حاجة إلى أصوات عاقلة، ترفع مطالبها بقوة، ولكن في إطار سلمي حضاري يحفظ الوطن والمواطنين معاً.