
بقلم: ياسين المصلوحي
ألقى صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله خطاب افتتاح الدورة التشريعية الأخيرة في هذه الولاية، والذي جاء في سياق سياسي واجتماعي استثنائي، وعلّقت عليه آمال فئة عريضة من المجتمع. حيث لم يُخلف الخطاب موعده رغم خصوصية المؤسسة التي أُلقي فيها، والتي غالبًا ما تخضع لمنطق النخبوية في تلقي خطابات الملك، وترفع من مستوى المعجم والتعابير المستعملة.
إلا أن هذه السنة زاوج الخطاب بين اللغة البسيطة السهلة التي تصل إلى كل مواطن، واللغة التقنية السياسية الموجهة للنخب السياسية.
وبالرجوع إلى مضمون الخطاب، يمكن القول إن الملك استهله بالتأكيد على حماية الاختيار الديمقراطي وتحصينه، خصوصًا بعدما اعتبره الدستور أحد الثوابت التي لا حياد عنها، وذلك عندما نوه جلالته بمؤسسة البرلمان بغرفتيه، وأشاد بالعمل الذي تقدمه في مجال التشريع ومراقبة الحكومة وتقييم السياسات العمومية والدبلوماسية الموازية.
وهي إشادة ضمنية بممثلي الشعب، رغم بعض المؤاخذات التي يمكن تسجيلها ، إلا أن احترام اختيارات الشعب في الآلية الديمقراطية أمر واجب، فلا يمكن الإيمان ببعض الديمقراطية والكفر ببعضها. ومن جاءت به صناديق الاقتراع، لا يذهب به إلا الصناديق نفسها.
كما نبه جلالته إلى ضرورة لعب كل مؤسسات التنشئة دورها، كما سبق وأشرنا في مقالات سابقة، في تأطير المواطن والتواصل معه وفتح قنوات الحوار مع مختلف شرائح المجتمع، وتسويق ما تم إنجازه من مشاريع، والإشارة إلى ما لم يتم تحقيقه مع ذكر الأسباب وطرق التقويم.وعدم ترك الفراغ التواصلي الذي قد تعتليه الأجندات الهدامة والأطراف التي قد تقامر بأي ملف فقط لرد الاعتبار أو الانتقام من هيئات أو مؤسسات. كما أشار إلى ضرورة عدم وجود أي تناقض بين المشاريع الوطنية الكبرى والبرامج الاجتماعية، وعدم جعل مجال السياسات العمومية ساحة للمعارك السياسية أو لتصفية الحسابات الانتخابية على حساب المصلحة العليا للمواطن.
وفي الفقرة التي اعتُبرت كتفاعل ضمني مع مطالب الحركة الاحتجاجية، رغم أن رحاب البرلمان لا يسمح بمناقشة هذه المطالب مطلبًا مطلبًا، على اعتبار أن خطابات الملك – كما سبق وأشرنا – لا تخضع لمقياس الزمن السياسي، وإنما لديها ضوابط ومعايير استراتيجية أشمل وأوسع، أشار جلالته إلى فتح ورش تحقيق العدالة المجالية، في استرسال لخطاب العرش الأخير الذي دعا فيه إلى اعتماد جيل جديد من برامج التنمية المجالية المندمجة، التي تجعل من التشغيل والصحة والتعليم وتدبير الموارد المائية والتأهيل المندمج للمجال الترابي عصبَ تحقيق التنمية المحلية، التي هي المرآة الحقيقية لواقع المغرب، وهي صلب المطالب التي جاءت بها الحركات الاحتجاجية الأخيرة.
كما قام نصره الله بتنقيحها من خلال إضافة محاور أخرى، مثل إعطاء عناية خاصة للمناطق الأكثر هشاشة مع مراعاة خصوصياتها المجالية، والتفعيل الأمثل لآليات التنمية المستدامة للسواحل الوطنية، وتوسيع نطاق المراكز القروية باعتبارها فضاءات ملائمة لتدبير التوسع الحضري في إطار ربح متبادل بين القرى والمدن.
واختتم حفظه الله الخطاب بتوجيه نداء إلى كل القوى الفاعلة والحية، من أجل وضع الحسابات الخاصة والسياسية جانبًا، رغم أن هذه السنة سنة انتخابية، ومن حق كل حزب العمل على توسيع قاعدة ناخبيه والترويج لمنجزاته والتقليل من عمل خصومه.
إلا أن الظرفية الحالية تستوجب استحضار الحس الوطني وتغليب مصلحة الوطن والمواطنين، لأن الانتخابات ليست إلا حلقة في مسلسل طويل من الإصلاحات والإنجازات التي يجب أن يساهم فيها الجميع، كل حسب موقعه.
مع استشهاده نصره الله بآية قرآنية تُذكّر بأن عمل بني آدم مجازى عنه بمثله:
“فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره.”
ختامًا، يمكن القول إن الملك كان في مستوى تطلعات وانتظارات المجتمع، كما هو معهود فيه نصره الله، حيث استطاع التوفيق بين مخاطبة النخب السياسية وتحميلها مسؤولياتها حسب مراكزها، والتوجه إلى عامة الشعب، مؤكدًا أنه يعمل على تحقيق أحسن ظروف عيش المواطن، وفق خطط استراتيجية لا تظهر نتائجها في سنة أو سنتين.