أخبار الدارأخبار دوليةسلايدر

ملف الصحراء أمام لحظة الحسم… والمغرب يدخل جلسة مجلس الأمن من موقع قوة

ملف الصحراء أمام لحظة الحسم… والمغرب يدخل جلسة مجلس الأمن من موقع قوة

الدار/ إيمان العلوي

قبل أيام قليلة من انعقاد جلسة مجلس الأمن المقررة في 30 أكتوبر 2025، تتجه الأنظار مجددًا نحو قضية الصحراء المغربية، وسط تصاعد مؤشرات الدعم الدولي المتنامي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب منذ عام 2007، باعتبارها الحل الواقعي والعملي الوحيد القادر على إنهاء نزاع طال أمده. وبينما تتحرك الدبلوماسية المغربية بخطى واثقة، تجد الجزائر وجبهة البوليساريو نفسيهما في موقع عزلة متزايدة، بعدما فشلت حملاتهما في إقناع المجتمع الدولي بالعودة إلى طرح الاستفتاء كخيار قابل للتطبيق.

تشير المعطيات الدبلوماسية المسربة من كواليس مجلس الأمن إلى أن الولايات المتحدة وفرنسا ومعظم الأعضاء الدائمين يتجهون نحو دعم صياغة قرار جديد يُكرّس فكرة الحل السياسي الواقعي القائم على الحكم الذاتي، ويعيد التأكيد على الدور المركزي للمملكة المغربية في هذا المسار. هذه التطورات أثارت ارتباكًا واضحًا في معسكر الجزائر والبوليساريو، حيث اعتبرت الجبهة أن أي حديث عن الحكم الذاتي “انحراف عن مسار الشرعية الدولية”، فيما وصفت الجزائر الموقف الأمريكي بأنه “ضغط سياسي يخدم أجندة المغرب”، لكنها وجدت نفسها معزولة في مواجهة تحولات دولية لم تعد تعير اهتمامًا كبيرًا للشعارات الأيديولوجية بقدر ما تركز على الاستقرار الإقليمي والتنمية المشتركة.

التحولات المتسارعة في مواقف عدة دول أوروبية تعزز هذا التوجه؛ فإسبانيا، ألمانيا، وهولندا، وعدد من الدول الإفريقية والآسيوية باتت تعتبر المبادرة المغربية المرجعية الأكثر جدية ومصداقية. كما أن الاتحاد الأوروبي نفسه واصل تعامله الاقتصادي والتجاري مع الأقاليم الجنوبية للمملكة، معترفًا ضمنيًا بواقع السيادة المغربية على الأرض من خلال اتفاقيات الصيد والزراعة والتبادل التجاري التي تشمل منتجات الصحراء المغربية. هذا التطور شكّل ضربة قوية للدعاية الجزائرية التي طالما روّجت لفكرة “الأراضي المتنازع عليها”، إذ باتت المؤسسات الأوروبية تتحدث عن “المناطق الجنوبية للمغرب” بعبارات واضحة خالية من اللبس.

في المقابل، تواصل الجزائر تبديد مواردها المالية في دعم جبهة البوليساريو سياسيًا وإعلاميًا، رغم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف بالبلاد. فالنظام الجزائري الذي يواجه احتقانًا داخليًا متصاعدًا وجد في ملف الصحراء وسيلة لتصدير أزماته إلى الخارج وإلهاء الرأي العام الوطني، لكنه بات اليوم يدفع ثمن تلك السياسة، بعدما فقد أوراقه في القارة الإفريقية التي أصبحت أغلب دولها تدعم الوحدة الترابية للمغرب، سواء من خلال فتح قنصليات في مدينتي العيون والداخلة، أو عبر دعم صريح للمبادرة المغربية داخل الاتحاد الإفريقي.

وتأتي هذه التحولات في وقت تواجه فيه جبهة البوليساريو تراجعًا ميدانيًا وسياسيًا واضحًا، إذ لم تعد قادرة على الحفاظ على دعم الرأي العام الدولي الذي بات يرى في استمرار النزاع عقبة أمام تنمية المنطقة. كما أن محاولاتها التصعيدية الأخيرة قرب الجدار الأمني المغربي لم تلقَ سوى إدانة واسعة من الأمم المتحدة وعدد من العواصم الكبرى التي حذّرت من مغبة أي محاولة لزعزعة الاستقرار في منطقة استراتيجية تربط إفريقيا بأوروبا.

في ضوء هذه المعطيات، ينتظر أن تكون جلسة مجلس الأمن نهاية هذا الشهر محطة مفصلية في مسار القضية، حيث يُتوقع أن يجدد المجلس التأكيد على ضرورة استئناف العملية السياسية تحت إشراف المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا، ولكن هذه المرة ضمن رؤية أكثر واقعية تستبعد أي حل يقوم على الانفصال أو الاستفتاء غير القابل للتنفيذ. فالعالم بات يدرك أن المغرب يمثل ركيزة استقرار في شمال إفريقيا وشريكًا موثوقًا في مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وهو ما جعل العديد من الدول تعتبر أن دعم مبادرته في الصحراء يخدم الأمن الإقليمي والمصالح الاقتصادية المشتركة.

أما الجزائر، التي كانت تراهن على تحريك مؤيديها داخل المجلس، فتبدو اليوم في موقف ضعف غير مسبوق. فالتقارير الدولية تتحدث عن عزلة دبلوماسية واضحة، وعن تآكل قدرتها على فرض خطابها التقليدي، بعدما أصبحت سياساتها مكشوفة أمام المجتمع الدولي كعائق أمام الحل السلمي. في المقابل، يواصل المغرب تعزيز موقعه عبر سياسة خارجية هادئة وفعّالة، تجمع بين الوضوح في الموقف والمرونة في التحرك، معتمداً على تحالفات متينة مع القوى الكبرى وشراكات اقتصادية ناجحة مع الاتحاد الأوروبي، الولايات المتحدة، ودول إفريقية صاعدة.

ومهما كانت صيغة القرار الأممي المنتظر صدوره في نهاية الشهر، فإن المؤكد أن المغرب يدخل هذه الجولة الدبلوماسية من موقع قوة وثقة متزايدة، بينما تجد الجزائر والبوليساريو نفسيهما أمام واقع جديد يصعب إنكاره. فالقضية التي حاولت الجزائر لخمسة عقود توظيفها كورقة ضغط إقليمية تحوّلت اليوم إلى عبء ثقيل على سياستها الخارجية، في وقت تمضي فيه الرباط نحو تكريس سيادتها الكاملة على أقاليمها الجنوبية بدعم دولي متنامٍ ورؤية استراتيجية تجعل من الحكم الذاتي إطارًا نهائيًا لحلّ عادل وواقعي يحفظ كرامة الجميع ويضمن الأمن والاستقرار في المنطقة المغاربية.

زر الذهاب إلى الأعلى