أخبار دوليةسلايدر

مدريد تستقبل الرباط في قمة مفصلية تؤسس لتحالف استراتيجي جديد بين المغرب وإسبانيا

الدار/ إيمان العلوي

تحتضن العاصمة الإسبانية مدريد اجتماعاً رفيعاً بين المغرب وإسبانيا، في محطة دبلوماسية تحمل دلالات سياسية كبرى تتجاوز الطابع التقليدي للقاءات الثنائية. فالقمة الثالثة عشرة، التي تأتي بعد نحو ثلاث سنوات من آخر لقاء مماثل في الرباط، تعيد رسم مسار علاقة كانت لعقود مرهونة بتوازنات دقيقة، قبل أن تتحول تدريجياً إلى شراكة مستقرة ذات أبعاد استراتيجية واضحة.

التحول الأبرز الذي يطبع هذا اللقاء يتمثل في تثبيت الموقف الإسباني الداعم لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء المغربية، باعتبارها الحل الأكثر جدية وواقعية لإنهاء النزاع الإقليمي. هذا الموقف، الذي كان يُعد اختراقاً دبلوماسياً عند إعلانه، أصبح اليوم جزءاً من رؤية مدريد لمستقبل المنطقة، ومؤشراً على أن الرباط لم تعد تُعامل كملف منفصل، بل كفاعل إقليمي محوري في أمن واستقرار غرب المتوسط.

القمة تجمع رئيس الحكومة المغربية بوفد وزاري رفيع ببيدرو سانشيز وعدد من الوزراء والمسؤولين الإسبان، في صيغة تفاوضية تؤكد أن العلاقة بين البلدين لم تعد تقوم على إدارة الأزمات بل على بناء مشاريع طويلة المدى. التوقيعات المرتقبة تشمل ملفات حساسة تتعلق بالطاقة والربط الكهربائي والأمن والتجارة وتدبير الهجرة، بما يعكس انتقال العلاقة الثنائية من منطق رد الفعل إلى منطق التخطيط المشترك.

المشهد السياسي المحيط بالقمة يعكس كذلك تحولات أوسع في أوروبا، حيث بدأت دول القارة الجنوبية، وعلى رأسها إسبانيا، تدرك أن مستقبلها الجيوسياسي والاقتصادي مرتبط بشكل مباشر بما يجري في الضفة الجنوبية من المتوسط. ومع تزايد التحديات المرتبطة بالهجرة والأمن والطاقة، برز المغرب كشريك لا يمكن تجاوزه، بل كفاعل يملك موقعاً جغرافياً واستراتيجياً يجعله جزءاً من معادلة الاستقرار الأوروبي.

بهذا المعنى، لا تبدو قمة مدريد مجرد محطة بروتوكولية أو مناسبة ظرفية، بل خطوة محسوبة في اتجاه تأسيس محور قوي بين الرباط ومدريد، يستند إلى المصالح المشتركة والرؤية المتقاربة للتحديات الإقليمية. فالطرفان يدركان اليوم أن ما يجمعهما أكبر مما كان يفصل بينهما، وأن المستقبل الأمني والاقتصادي للطرفين بات مترابطاً بشكل لا يسمح بعودة منطق القطيعة أو التوتر القديم.

ويبدو أن الرباط تدخل هذه المرحلة بثقة سياسية متصاعدة، فيما تعتبر مدريد أنها بصدد تثبيت علاقة جديدة قائمة على الاحترام المتبادل، والتقارب الاستراتيجي، والمصالح المتداخلة. وهو ما يجعل هذا اللقاء منعطفاً حقيقياً في تاريخ العلاقات بين البلدين، وبداية مرحلة يُنتظر أن تمتد آثارها إلى الفضاء الأوروبي والمتوسطي والإفريقي على حد سواء.

زر الذهاب إلى الأعلى