صحيفة لوبينيون الفرنسية تكتب عن قضية بوعلام صنصال: كاتب خرج من السجن ودولة خرجت من التاريخ
صحيفة لوبينيون الفرنسية تكتب عن قضية بوعلام صنصال: كاتب خرج من السجن ودولة خرجت من التاريخ

الدار/ إيمان العلوي
نقلاً عن مقال للكاتب الفرنسي باتريك بيلسر في صحيفة لوبينيون، تعود قضية الروائي الجزائري بوعلام صنصال إلى واجهة الجدل السياسي والفكري في ضفتي المتوسط، بعد الإفراج عنه أخيراً عقب عام كامل من الاعتقال التعسفي الذي أثار موجة استنكار واسعة في الأوساط الثقافية والحقوقية داخل أوروبا. فبالنسبة لبيلسر، هذه الحادثة لم تعد مجرد اعتقال لكاتب تجاوز الثمانين من عمره وأصيب بالسرطان، بل أصبحت مرآة عاكسة لحقيقة مزدوجة: جزائر خائفة من الكلمة، وفرنسا عاجزة عن الدفاع عن قيمها.
يقول باتريك بيلسر إن ما جرى يكشف هشاشة النظام الجزائري أكثر مما يكشف قوة قبضته، لأن دولة واثقة لا تسجن مثقفيها ولا تحارب الكلمة بالفوهة الأمنية، بل ترد بالفكرة والنقاش. النظام الجزائري ــ بحسب بيلسر ــ يعيش لحظة خوف تاريخية: خوف من الشباب الذي يغادر، من المثقف الذي يكتب، من القبائل التي تستعد لمرحلة فاصلة يوم 14 دجنبر، ومن مرحلة ما بعد الرئيس عبد المجيد تبون الذي يقترب من نهاية حكمه بدفع من جنرالات السلطة، المتوقع أن يستبدلوه بشخصية عسكرية مثل علي غديري.
ويعتبر الكاتب أن ما يحدث اليوم يذكر بأن الجزائر تتحول شيئًا فشيئًا إلى فضاء سياسي مغلق، حيث الرقابة ليست استثناءً بل منهج حكم، وحيث الدولة التي تخشى رواية أو مقالاً ليست دولة راسخة بل سلطة مأزومة. فالاعتقال ـ كما يكتب بيلسر ـ ليس موجهاً ضد بوعلام صنصال كشخص، بل ضد الفكرة: فكرة أن المواطن يستطيع التفكير خارج ما يُفرض عليه.
في المقابل، يوجه بيلسر نقدًا لاذعًا لفرنسا قائلاً إن باريس فقدت نفوذها السياسي والدبلوماسي في شمال إفريقيا، وإنه قبل سنوات قليلة فقط، كانت فرنسا قادرة على منع اعتقال صنصال أو فرض الإفراج عنه خلال ساعات. اليوم، لم ينجح الإليزيه ولا الخارجية الفرنسية ولا دبلوماسييها في تحريك الملف، بينما تمكنت ألمانيا من تحقيق ما عجزت عنه باريس، لتبعث رسالة صريحة مفادها أن خريطة النفوذ الأوروبية تتغير، وأن فرنسا لم تعد لاعباً لا يمكن تجاوزه.
ويحمّل باتريك بيلسر الرئيس إيمانويل ماكرون جزءًا كبيرًا من هذا التراجع، منتقدًا ما اعتبره مواقف خارجية متناقضة، وميلًا إلى الدبلوماسية الرمزية بدل الواقعية، وصمتًا غير مفهوم تجاه قضايا في المنطقة، خاصة إعلان حركة استقلال القبائل عن موعد قيام “دولة القبائل”، في وقت لم تتردد فيه فرنسا في الاعتراف بدول أو كيانات غير موجودة على حد تعبيره.
وفي خاتمة مقاله، يكتب بيلسر عبارة تلخص رؤيته:
“الجزائر، بسجنها لصنصال، كشفت خوفها. فرنسا، بعجزها عن تحريره، كشفت ضعفها. وألمانيا، بنجاحها، كشفت قوتها الجديدة.”
ويضيف: “بوعلام صنصال لم يكن مجرد معتقل… بل اختبار لضميرين: ضمير سلطة تخاف الحرية، وضمير دولة كانت يومًا تدافع عنها”.
المقال يترك سؤالًا مفتوحًا كما يريده صاحبه: هل ستستيقظ فرنسا على تراجعها؟ وهل ستستيقظ الجزائر على حقيقة أن إسكات الأصوات لا يمنع التغيير… بل يسرّعه؟






