قراءة في تصريح بوتين الأخير وتداعياته على الأمن الأوروبي…تهديد مفتوح
قراءة في تصريح بوتين الأخير وتداعياته على الأمن الأوروبي...تهديد مفتوح

عبد الله مشنون
كاتب صحفي ومحلل سياسي مقيم في إيطاليا
مهتم بالشؤون العربية، قضايا الهجرة والاسلام.
أثار التصريح الأخير للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي قال فيه: “إذا أرادت أوروبا الحرب مع روسيا…فنحن جاهزون”, موجة قلق واسعة على المستوى الدولي، خاصة في أوساط الدول الأوروبية والديمقراطيات الغربية التي تتابع باهتمام التطورات الأمنية في القارة. هذا التصريح ليس مجرد تحذير لفظي، بل يعكس نهجًا متصاعدًا من التهديد والعزيمة على توسيع دائرة الصراع، ويضع المجتمع الدولي أمام تحديات أمنية وسياسية غير مسبوقة.
في الوقت الذي لا تزال فيه الحرب الروسية على أوكرانيا مستمرة منذ أكثر من عام، مع سقوط آلاف الضحايا المدنيين والدمار الواسع للبنية التحتية، يبرز تصريح بوتين كرمز للتهور السياسي والعسكري الذي يمكن أن يجر المنطقة بأسرها نحو مواجهة أكبر. لقد أظهرت هذه الحرب قدرة روسيا على استخدام القوة العسكرية في انتهاك القانون الدولي وتهديد سيادة الدول، ما يجعل أي تهديد مباشر لأوروبا أمرًا جادًا وخطيرًا.
أوروبا، بوصفها فضاءً ديمقراطيًا متماسكًا، لم تكن يومًا مستعدة لقبول مثل هذه التهديدات. فالدول الأوروبية، مدعومة بحلف الناتو وشركائها الدوليين، تسعى بكل طاقتها لحماية مواطنيها ومصالحها الاستراتيجية، وللحفاظ على استقرار المنطقة. التهديد الروسي المباشر يُعيد التأكيد على أهمية اليقظة الأوروبية وتطوير خطط دفاعية مشتركة، وفي الوقت نفسه تعزيز التضامن السياسي والاقتصادي لمواجهة أي مغامرة عسكرية.
التصريح يعكس أيضًا عجز القيادة الروسية عن تقديم بدائل سلمية للصراع، ويكشف عن تصاعد خطاب القوة الذي يهدد السلم العالمي. فمنذ بداية الحرب على أوكرانيا، ارتكبت القوات الروسية انتهاكات جسيمة، استهدفت المدنيين والمناطق المدنية، مما ألقى بظلال من الخوف على أوروبا كلها. إن استمرارية هذا النهج تعني أن أي تصعيد إضافي، سواء لفظي أو عسكري، سيكون له آثار مباشرة على الأمن الأوروبي والعالمي، ويزيد من عدم اليقين السياسي والاقتصادي.
ومع ذلك، هناك فرص للتصدي لهذا التهديد. أوروبا، عبر مؤسساتها الدبلوماسية والعسكرية، تمارس الضغط على موسكو باستخدام مزيج من العقوبات الاقتصادية، الدعم العسكري لأوكرانيا، والتحركات الدبلوماسية لحماية المدنيين وتعزيز القانون الدولي. هذه السياسة ليست دفاعًا عن مصالح ضيقة فحسب، بل محاولة للحفاظ على القيم الديمقراطية والسلم العالمي، ومنع توسع دائرة العنف إلى خارج حدود أوكرانيا.
في هذا السياق، يشكل تصريح بوتين الأخير تحذيرًا مزدوجًا: أولًا، عن التهديد العسكري المستمر، وثانيًا عن الحاجة الملحة للرد الحازم من أوروبا والدول الديمقراطية الأخرى. كما يعكس حجم المخاطر التي قد تنتج عن استهانة أي طرف بالمعايير الدولية، ويؤكد أن استمرار النزاع بلا حل سياسي يزيد من احتمالات تفاقم الأزمة الإنسانية وتأزيم الأمن الإقليمي.
لذا يجب أن يُنظر إلى تصريحات بوتين كجرس إنذار دولي: الحرب ليست مجرد أدوات عسكرية، بل تهدد الأمن والسلم العالميين، وتستدعي استجابات استراتيجية منسقة وواقعية. وعلى أوروبا والعالم الحر أن يكونوا مستعدين لمواجهة أي تهور روسي، مع تعزيز التضامن والدفاع عن القيم الإنسانية والديمقراطية، وحماية المدنيين في أوكرانيا وكل مناطق الصراع المحتملة.
نسأل الله أن يعم السلام قلوب البشر، وأن يحفظ الشعوب من ويلات الحروب والله يهدي الجميع.






