أخبار الدارسلايدر

إستهداف الأملاك العمومية وتخريبها جريمة ضد المجتمع لا يتساهل معها القانون والقضاء.

إستهداف الأملاك العمومية وتخريبها جريمة ضد المجتمع لا يتساهل معها القانون والقضاء.

 

واقعة تكسير حافلة للنقل الحضري بمدينة تيكيوين والتي إرتكبها شخص في عقده الخامس، من ذوي السوابق القضائية كان تحت تأثير المخدرات، الواقعة التي قضت فيها المحكمة الابتدائية بأكادير بالإدانة ، بعقوبة سالبة للحرية مدتها سنتان حبسا نافذا، و بغرامة مالية مشددة. فعل جرمي و على جسامته، لا يمكن إختزاله فقط في بعده الزجري أو في شخص الفاعل وحده، بل أنه يعيد إلى الواجهة سؤالا أعمق يتجاوز الحدث في ظرفيته، ليمس جوهر العلاقة المختلة أحيانا بين بعض السلوكيات الفردية ومنظومة القانون والتربية وقيم المواطنة. فحين تتحول ممتلكات عمومية أُحدثت لخدمة الساكنة وتيسير حقها في التنقل إلى هدف لأفعال تخريبية، فإن الأمر لا يمكن اعتباره تهورا عابرا أو فعلا معزولا، بل يشكل إعتداء مباشرا على النظام العام، وعلى حق جماعي في مرفق حيوي تموله وتملكه الجماعة ويدفع ثمنه من حيوب عموم المواطنين.

وإن كان من الزاوية القانونية، فعل تخريب الممتلكات العمومية جريمة مكتملة الأركان، تقوم على فعل مادي يتمثل في الإتلاف أو الإضرار، وقصد جنائي يتجسد في العلم بطبيعة المال المعتدى عليه وإرادة المساس به، حيث لا يقتصر الخطر هنا على الضرر المادي اللاحق بالحافلة أو تجهيزاتها، بل يمتد ليشمل تهديد سلامة الركاب والعاملين بالمرفق، وتعطيل خدمة أساسية تمس الحياة اليومية لآلاف المواطنين. ولذلك شدد المشرع الجنائي المغربي في حماية الملك العام، إدراكا منه لكون التساهل مع مثل هذه الأفعال يفتح الباب أمام منطق الإفلات من العقاب، ويغذي ثقافة الفوضى والإستخفاف بما هو مشترك. لذلك جاء موقف القضاء،حكم المحكمة الابتدائية بأكادير، منسجم الفلسفة التشريعية الوطنية، التي تحرص على إنفاذ القانون بحزم و ليس بدافع إنتقامي، بل بمنطق الردع العام والخاص وتكريس هيبة المرفق العمومي، وتوجيه رسالة واضحة مفادها أن الإعتداء على المال العام هو إعتداء على المجتمع بأسره. فالنقل الحضري ليس مجرد وسيلة تنقل بل حق جماعي، وكل مساس به هو مساس غير مباشر بكرامة مستعمليه من عموم المواطنين وحتى الأجانب وبثقتهم في خدمة هذا المرفق العام.
غير أن المقاربة الزجرية لوحدها، ومهما بلغت من الصرامة، تظل غير كافية إذا لم تواكبها قراءة توعوية وقيمية عميقة. فالتخريب لا يولد في الفراغ بل هو في كثير من الأحيان نتاج إختلالات إجتماعية، وضعف في التربية على المواطنة، وغياب الإحساس بالإنتماء إلى الفضاء العام بإعتباره ملكا جماعيا. فحين لا يتشبع الفرد منذ الصغر بقيم إحترام الملك العام، يصبح إتلافه فعلا بلا وازع أخلاقي ولا رادع داخلي. لتتجلى خطورة الظاهرة أكثر حين يكون مرتكبوا هذه الأفعال من القاصرين أو الأحداث. فالمشرع المغربي، وإن راعى خصوصية الحدث من خلال إعتماد مقاربة حمائية وإصلاحية في قانون المسطرة الجنائية، تقوم على أولوية التقويم والتهذيب بدل العقاب، فإنه لم يلغ الصفة الجرمية عن الأفعال الخطيرة، ومنها تخريب الممتلكات العمومية. فالقاصر يظل مسؤولا عن فعله في حدود سنه وإدراكه، ويخضع لتدابير خاصة، قد تشمل الحراسة أو الإيداع بمؤسسات الرعاية أو الإصلاح، أو إخضاعه لتدابير المراقبة والتأطير، مع تحميل الولي أو الوصي مسؤوليته المدنية عند الاقتضاء وجبر الضرر. وهو توجه يعكس وعيا تشريعيا وقضائيا بخطورة التساهل مع التخريب، حتى في سن مبكرة، لما لذلك من آثار مدمرة على النشئ وعلى الأمن المجتمعي مستقبلا.
ومن وجهة نظرنا المتواضعة، فإن الإستمرار في التعامل مع تخريب الممتلكات العمومية كوقائع معزولة، دون تفكيك أسبابها التربوية والإجتماعية، ينذر بتكرارها ويقوض أي مجهود تنموي محلي أو وطني و مهما بلغت كلفته أو جودته. فالدولة التي تستثمر في البنية التحتية دون أن تستثمر بالقدر نفسه في بناء الإنسان، ستجد نفسها في حلقة مفرغة من البناء والهدم، ومن الردع وإعادة إنتاج السلوك المنحرف.

ختاما، إن ما وقع ليس مجرد حادث عرضي، بل جرس إنذار يدعو إلى تضافر المقاربة الأمنية مع المقاربة التربوية والقيمية، في أفق بناء مواطن يدرك أن حماية الملك العام ليست مهمة الدولة وحدها، بل مسؤولية جماعية. فالأوطان لا تصان فقط بالنصوص قانونية وبأحكام قضائية رادعة، بل أيضا بضمير حي وتربية واعية وإحساس عميق بأن التخريب لم يكن أبدا شكلا من أشكال التعبير أو عدم الرضى، بل خيانة صريحة لفكرة العيش المشترك ولحق الأجيال القادمة في فضاء عام آمن .

د/ الحسين بكار السباعي
محام بهيئة المحامين لدى محاكم الإستئناف بأكادير وكلميم والعيون.
مقبول لدى محكمة النقض.

زر الذهاب إلى الأعلى