السينما المصرية.. “الأكشن” يزيح الكوميدي عن شباك التذاكر
تلاقي الأفلام المصرية التي تعرض اليوم في دور السينما في مصر وعدة دول عربية ترحيباً وإشادة من كثيرين، ولكن يظل الحديث دائراً عن عوامل تفقد السينما المصرية ريادتها العريقة. فما هو حال السينما المصرية اليوم؟
الذهاب للسينما لمشاهدة فيلم جديد هو واحد من طقوس المصريين للاحتفال بالأعياد، وهو ما خلق ما يعرف لدى المصريين بـ « أفلام العيد ».
وتحمل « أفلام العيد » هذا العام طابعاً مختلفاً عن الأفلام الكوميدية التي سيطرت على شباك التذاكر المصرية لسنوات طويلة، حيث طغت الحركة والإثارة على الأفلام المعروضة، والتي حازت على إشادة واستحسان العديدين، خاصة فيما يتعلق بعناصر الصورة والإبهار السمعي والبصري.
يتصدر كل من الجزء الثاني لفيلم الفانتازيا « الفيل الأزرق » بطولة كريم عبدالعزيز وهند صبري ونيللي كريم، والجزء الثاني لفيلم الحركة « أولاد رزق » بطولة أحمد عز وأحمد الفيشاوي، شباك التذاكر المصري.
لم يقتصر نجاحالجزء الثاني لفيلم « الفيل الأزرق » على ردود الفعل الإيجابية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والتي وصلت إلى حد الحديث عن نفاذ تذاكر الفيلم في بعض دول الخليج العربي، حيث حقق الفيلم أكثر من 55 مليون جنيه مصري حتى الآن بشباك التذاكر في مصر وست دول عربية أخرى، وفقاً لتقارير إعلامية.
وهكذا يقترب « الفيل الأزرق » من الرقم القياسي الخاص بالفيلم المصري « كازابلانكا »، الذي حقق أرباحا تجاوزت 85 مليون جنيه، تسجل الجزء الأكبر منهم خلال أسبوعين فقط من عرضه بشهر يونيو الماضي.
« فُقدان للتوازن »
وفي حوار مع دوتش فيليه عربية، اعتبر الناقد الفني وكاتب السيناريو رامي عبدالرازق أن أفلام الحركة التي يتم إنتاجها مؤخراً « قد ورثت من أفلام الكوميديا عرش الإيرادات في مصر »، وهو ما لا يراه أمراً سلبياً حيث يقول: « السينما المصرية كمثيلاتها في العالم بها الأفلام التجارية التي تستهدف تحقيق الإيرادات والأفلام ذات المستوى الفني الأعلى والتي تشارك بالمهرجانات الدولية، لكن المشكلة في مصر هو عدم وجود توازن بين هذين النوعين لرغبة المنتجين تحقيق أرباح والسعي لمخاطبة شرائح جماهيرية أكبر ».
عمرو جعفر، وهو مدير إنتاج سينمائي، يشارك رامي في الرأي، حيث يقول في حواره مع دوتش فيليه عربية: « صحيح أن عدد ما يتم إنتاجه من أفلام حالياً بشكل عام يعتبر أقل مقارنة بسنوات سابقة، ولكن يبقى لكل الأفلام جمهورها الذي يتوجه لدور العرض خصيصاً من أجل مشاهدتها بما يضمن لتلك الصناعة الاستمرارية والحماية ».
وتم إنتاجالجزء الثاني لفيلم « الفيل الأزرق » من قبل شركة « سينرجي » للإنتاج التليفزيوني والسينمائي لمؤسسها تامر مرسي، وهي الشركة التي طالتها اتهامات بسعي الدولة نحو السيطرة على سوق الدراما المصرية من خلالها بعد قيام الشركة بإنتاج نصف ما تم عرضه من مسلسلات تليفزيونية خلال شهر رمضان الماضي.
إلا أن عمرو جعفر نبه إلى عدم تأثر الإنتاج السينمائي في مصر بنفس درجة تأثر الأعمال التليفزيونية بمحاولات السيطرة، لكنه في الوقت ذاته تحدث عن أزمة يعاني منها الكثير من العاملين في المجال حيث قال: « غالبية من يحصلوا على عمل اليوم يكون من خلال شركتي سينرجي أو السبكي للإنتاج الفني فقط، ما أثر بالسلب على عدد كبير من العاملين وفقدانهم فرص المشاركة بأعمال جديدة وجلوسهم في منازلهم بلا عمل ».
دور الدولة « مُعطل »
وبالرغم من السيطرة الحالية للأفلام التجارية، شهدت السنوات الأخيرة سطوع عدد من صناع السينما من الشباب الذين يسعون إلى إنتاج أفلام ذات جودة ليس فقط من حيث الصورة، وإنما من حيث المضمون كذلك.
تتعدد أمثلة الأعمال الجيدة، والتي حقق بعضها نجاحاً جماهيرياً، مثل أفلام « 678 » و »اشتباك » من إخراج محمد دياب الحاصل على عضوية أكاديمية فنون وعلوم السينما الأوسكار، وأفلام « أسماء » و »لا مؤاخذة » و »الشيخ جاكسون » للمخرج عمرو سلامة الحاصل مؤخراً على عضوية الأوسكار، وفيلم « يوم الدين » للمخرج أبو بكر شوقي والذي شارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورته الأخيرة.
ولعل أخر المحاولات الشبابية لإنتاج أفلام جادة غير تجارية هو فيلم « بعلم الوصول »، والذي سيشارك الشهر القادم بالمسابقة الرسمية لمهرجان تورونتو السينمائي الدولي. وفي تصريحات إعلامية لمخرجه هشام صقر، اعتبر أن ما تشهده السينما المصرية خلال السنوات الأخيرة « شيء إيجابي جداً »، مضيفاً أن كل تجربة تساعد ما يليها من تجارب بما يؤدي إلى استمرار المشاركة بالمهرجانات الكبرى.
جدير بالذكر أن عدد ليس بقليل من الأفلام المصرية مما يمكن تصنيفه كأفلام جادة غير تجارية، والتي حقق بعضهما مشاركات مشرفة في مهرجانات سينمائية دولية حول العالم، تم إنتاجهبدعم من الدولة المصرية ممثلة في وزارة الثقافة، كفيلم « رسائل البحر » للمخرج الكبير داوود عبد السيد، و »فتاة المصنع » للمخرج الراحل محمد خان، وفيلم « فيلا 69 » للمخرجة الشابة أيتن أمين.
وينبه هنا الناقد الفني وكاتب السيناريو رامي عبد الرازق إلى أن « هذا النوع من الأفلام يعد أقرب للتجارب الفردية عن التوجه العام » مؤكداً على خطورة توقف هذا الدعم الذي اعتادت الدولة على تقديمه، وأضاف: « السياسات الاقتصادية الحالية للدولة وعوائق البيروقراطية عطلت جسر الدعم بين الدولة وصناع السينما، حيث توقفت المبالغ التي كانت تخرج من خزانات الدولة بالرغم من عدم ضخامتها لتساهم في إنقاذ العديد من صناع السينما حتى تخرج أعمالهم للنور ».
تراجع اهتمام الجمهور العربي بالإنتاج المصري؟
وفيما يتعلق باهتمام جمهور السينما العربي بمشاهدة الأفلام المصرية، فهناك الكثير من الأدلة على استمراه، إلا أنهتراجع لأسباب متعددة يرى الناقد الفني وكاتب السيناريو رامي عبدالرازق أنها منطقية وطبيعيةحيث يقول: « من المفترض أن يجد المشاهد العربي أمامه أفلام متنوعة يختار فيما بينها ومن ضمنها أفلام من إنتاج بلاده ذاتها، ولكن لعوامل سياسية واجتماعية واقتصادية سيطرت السينما المصرية على الشاشات العربية لفترة طويلة ».
ولهذا اعتبر الناقد الفني المصري أن الحديث عن تهديد الدراما العربية لمكانة الفيلم المصري « يحمل من التعصب أكثر ما يحمله من الفن »، موضحاً: « الفن يقول إن صانع الفيلم المصري عليه العمل لتقديم الأفضل بحيث يستطيع الحفاظ على إقبال الجمهور والمنافسة مع الأفلام الأخرى سواء كانت أمريكية أو هندية أو عربية ».
المصدر / مواقع إلكترونية