جرائم الشرف.. هل في المغرب أيضا “حراس الفضيلة”؟
الدار/ فاطمة الزهراء أوعزوز
لا زالت جرائم الشرف واحدة من أهم التحديات التي تسم المجتمعات العربية، والتي تجد في الإجهاز على المرأة حلا صائبا، بل ومناصا من العار الذي تحمله معها المرأة حينما تصبح شريكة جنسية في إحدى العلاقات، التي تدفع فيها ثمن الخطأين معا، خطأ الرجل وخطيئتها هي الأنثى، حيث يظل الطرف الآخر في منأى تام عن أية إدانة أو محاكمة تذكر في حين أن إدانة المرأة قد تصل في الكثير من الأحيان إلى القتل، غير أن الأمر ينطلي في بعض الحالات حتى على الفتيات اللواتي يتعرضن للإغتصاب إكراها فيجدن أنفسهن أمام خيار الهروب من العائلة، لأنها ستجهز عليها حتما إذا علمت بالموضوع، أسباب كثيرة تؤجج الإشكالية في العالم العربي بأسره وفي المغرب أيضا. موقع "الدار" يبحث الموضوع.
تفيد مجموعة من الدراسات التي تهتم بالموضوع، أن حوالي 5000 شخص تزهق أرواحهم باسم حماية الشرف، وتحت ذريعة القضاء على بواعث العار التي غالبا ما تشكل المرأة في المخيال الشعبي المدعاة الأساسية الجالبة لهذا المصاب الجلل، فتصبح المرأة حينها بين نارين إما العيش تحت كنف العائلة التي تنظر إليها في صورة الخطيئة التي يجب التكفير عنها بالقتل، أو تفر إلى مكان حيث يجهل ماضيها حاضرها.
وفي بعض الدول العربية يحاكم الذكور أيضا بتهم الشرف، ولكن العرف الذي يكاد يكون متقاسما بين العديد من الشعوب العربية هو محاكمة المرأة، الأمر الذي حمل مجموعة من المنظمات الحقوقية وهيئات المجتمع الدولي، التي تنشط على مستويات دولية تطالب بضرورة إلغاء هذه العقوبات، التي تعتبر مجحفة في حق المرأة خصوصا وأن النقاش الذي يدعم هذا الإلغاء هو اعتبار الدخول في العلاقات الجنسية الخارجة عن إطار مؤسسة الزواج يعتبر أمرا شخصيا، وحرية فردية لا يحق للعوام التدخل فيها، حتى لو تعلق الأمر بالأب، الأم أو الأخوة الذين يلعبون دور "حراس الفضيلة".
غير أن الرائج في العديد من الدول العربية، والتي يمكن ملاحظة وجودها حتى في المغرب والتي تعمر المحاكم بالمغرب، هو انتشار هذه الجرائم التي لم تتوان يد الجاني عن ارتكابها، بالرغم من الاجتهاد في تقديم القوانين الزجرية لعدم ارتكابها، إلا أن جريمة الشرف لا زالت تعتبر الآلية الأساسية التي يتم اعتمادها في أفق تصفية الحسابات الداخلية التي تهدد الاستقرار، وتكون سببا كافيا لظهور التصدعات الداخلية التي يتم التستر عنها غير أنها سرعان ما تخرح للعلن، كونها واحدة من المواضيع الحساسة التي تستأثر باهتمام الرأي المجتمع الذي يتربص بكواليس الحياة الشخصية للأفراد.
وفي السياق ذاته يروج أن جرائم الشرف لم تعد حكرا على الدول العربية فحسب، إنما الظاهرة أصبحت تطال حتى الدول الأوربية خصوصا منها التي استقبلت موجات كبيرة من اللاجئين نتيجة ثورات الربيع العربي التي أحدثت مجموعة من التغييرات الجذرية في النسق الثقافي والمجتمعي الذي يحكم الشأن الداخلي للبلد.
ارتباطا بالموضوع، وبخصوص الحالات التي غادرت الأهل خوفا من التعرض للتعذيب والتنكيل بسبب الوقوع في العلاقات الجنسية الخارجة عن إطار الزواج، تطول اللائحة الحاملة للأسماء، حيث القصص متضاربة ولكن السبب والنتيجة واحدة، غير أن التواصل كان أكثر من العصي حينما يرتبط بتلك القصص المرتبطة بفتيات يعشن على ذكرى مقتل أحد أفراد الأسرة على خلفية وقوعها في العلاقة التي تعتبرها الأسرة، أمرا محظورا يحرم ارتكابه، الأمر الذي يخلف ذكريات لا يمكن وصفها إلا ب"الدامية" داخل الأسرة.
ع.إ. واحدة من ضحايا الشرف، التي امتنعت قطعا عن إطلاعنا باسمها الكامل، خوفا من عائلتها التي تتربص بها المنون، وتبحث عنها منذ ذاك الحين، ذاك الحين الذي قررت فيه وهي في سن المراهقة أن تربط علاقة بشاب، وتقول عنها علاقة حب يطالها الاحترام، غير أن أعين الأسرة التي ترقبتها اعتبرت الأمر محظورا يجر العار والذل للأسرة، الأمر الذي حملهم على توعدها بالوعيد الشديد "القتل"، تحت ذريعة تبرئة ذمة الأهل من الذنب، غير أنها قررت الفرار بعيدا عن مدينتها الأصلية، لتستقر بالرباط وهي الآن تشتغل كنادلة في إحدى المقاهي الشعبية، لتضمن الاستقرار.
"بأي حق يعدم حق الفتاة في تقرير المصير، وبأي حجة أحاسب بسبب علاقة لها من الوعي ما يبررها، لكن الذنب الوحيد هو أني امرأة في مجتمع عربي متحجر، يأبى إلا أن يقيم حدودا كبيرة بين الرجل المرأة، فيحاسب هذه الأخيرة لأنها المستضعفة، ويتجاوز الكثير من الأخطاء لأن مرتكبها رجل، عذرا أقصد ذكر" بهذه الكلمات الثائرة تحتج الضحية عن المفارقات التي يقيمها المجتمع بين الرجل والمرأة، حيث يتم خلق العديد من المحاكمات الصورية التي لا تنصف في الكثير من الحالات المرأة بل الأصوات جميعها تصطف إلى جانب الرجل.
من الناحية القانونية، يقول الباحث في العلوم القانونية والجنائية بدر السريفي لـ"الدار"، ليس هناك قانون خاص بهذا الصنف من الجرائم بل تدخل في إطار التدابير والإجراءات القانونية التي يتم اتخاذها في باقي الجرائم الأخرى المشابهة، خصوصا وأن القانون يحدد وبشكل واضح العقوبات التي يتم فرضها على الجاني بغض النظر عن الآصرة أو القرابة التي تربطه بالضحية، وأشار أن من ضمن المغرب يعتبر واحدا من البلدان العربية التي تعرف انتشار هذا الصنف من الجرائم، خصوصا في صفوف العائلات المحافظة التي تمارس نوعا من الرقابة والوصاية على الفتيات، تحت ذريعة الدين أو التملص من العار.
ووفقًا لتقرير لصحيفة “إندبندنت” البريطانية بخصوص الموضوع ذاته، فإن عدد النساء ضحايا جرائم الشرف في عدد من الدول العربية وجنوب آسيا يقدر بحوالي عشرين ألف فتاة تقتل سنويًا بدافع الحفاظ على الشرف، ومن ثم تزهق العديد من الأرواح تحت ذريعة الحفاظ على إسم العائلة وتخليص هذه الأخيرة من عار الخطيئة التي ارتكباها الأنثى.
والأرقام تفيد في هذا الصدد، أنه في باكستان هناك 1000 جريمة شرف سنويًا، وفي تركيا وفي المناطق الكردية وقعت 480 جريمة شرف بين عامي 2000 و2006، وفي العراق، عام 2008، في أول 10 أيام من مايو، قُتلت 14 امرأة شابة من أجل الشرف، وتقتل 15 امرأة شهريًا لعدم التزامهن بالزي الإسلامي. وعادة فيما يتعلق بجرائم الشرف، يخير الأهل وأفراد القبيلة بناتهن ونساءهن بين القتل أو الانتحار. أما في المغرب فيفيد التقرير أن الأرقام غير مضبوطة وتظل مجرد تخمينات لا أكثر، الأمر الذي يزداد ضبابية في ظل انعدام الدراسات المحكمة التي تعنى بتدارس هذه الظاهرة.