فن وثقافة

انتظار نهاية العالم.. في فيلم ”رجل الغد“ للمخرج نوبل جونز

يختبر المخرج وكاتب السيناريو الأمريكي نوبل جونز، تشخيصًا مختلفًا لأفكاره، في فيلم ”رجل الغد“ المنتج عام 2019.

هاجس النهاية

حيث يقدم الفيلم قصة ”إد“، الرجل كبير السن، المصاب بهوس تجاه المستقبل. ويظهر من المشاهد الأولى، كيف أن كل ما يشغل تفكيره، هو فكرة نهاية العالم، وما يترتب على ذلك، من معاناة سيلاقيها البشر وقتها. لذلك يبادر“إد“ بتجميع معلبات الغذاء، والبنزين؛ لحماية نفسه، من مصارعة الجوع، في اللحظات الأخيرة من حياته. ويبعد مخزنه عن أعين الجميع، وبطريقة غريبة، وخلال قيامه بالتسوق، يلتقي ”روني“ المرأة المسنة، ويشعر بالانجذاب نحوها، وبعد محاولة ليست بالمعقدة، للحديث معها، تنشأ بينهما علاقة حب، بعد شعورهما بالاحتياج لتكملة المتبقي من العمر مع بعضهما.

تجربة عكسية

ويحاول جونز أن يقدم نموذجًا مغايرًا من الطرح، حينما يجلب كبار السن إلى منطقة غير معتادة في السينما، احتلها الشباب دومًا. فتقديم كل من جون ليثجو وبليث دانز في هذه الأدوار يعتبر تجريبًا في منطقة جديدة من العاطفة. ولعل اشتقاق هذا النوع من الحس لشخصيتين في سن متقدم، يحمل معايير خاصة، أو ربما لا يتطلب معايير علاقة مماثلة في سن الشباب، حيث إن العلاقة في هذا العمر تخلصت من قلق إنشاء الأسرة، وإنجاب الأطفال من عدمه، والاتفاق والاختلاف على عددهم، كل ما احتاجه البطلان، هو الشعور بالأمان، والتخلص من الوِحدة، وإيجاد مساحة من الاهتمام المتبادل بينهما.

منطقة مشتركة

وينسج الفيلم حوارًا داخليًا هامًا، حول وجودية الإنسان وسط المتغيرات، فلا تمر حياة المرء على نفس الوتيرة، وحينما يتقلب النمط، لا بد للواحد أن يكون مرنًا في التعامل مع الواقع. وهذا ما يظهر على تشكيل الشخصيات في الفيلم، حيث تطارد ”إد“ فكرة المستقبل، بكل ما يملك من مال وتفكير. هو الرجل المتقاعد، الذي أعطى العقود من عمره، لمهنته. يجد نفسه في غرفة استخبارات خاصة، أعدها بشكل مميز، لإكمال بحثه حول نهاية العالم، وعلى العكس تمامًا، تعْلق ”روني“ في ماضيها، منكسرة لفقدها ابنتها، الراحلة إثر مرض نادر أصابها. وكذلك زوجها الذي غيبه السرطان، ورغم هذا التناقض الغريب بينهما، وتفاوت الإنجازات والخسائر، إلا أن منطقة مشتركة بينهما، لاحت في الأفق، وبدأت مرحلة الوقت القصير من الحياة، قصير لكنه ثمين.

البقاء

ويطرح الفيلم أفكارًا ذكية حول كيفية تأقلم الإنسان مع الظروف المتوقعة، وهو مرجع أصيل لنشأة الإنسان على هذا الكوكب، ومحاولاته المستمرة للبقاء هنا، حيث يقول جونز: ”إننا نبذل الكثير من الجهد والوقت؛ للبقاء هنا“.

جوارب طويلة

قصة الحب في الفيلم كانت محفوفة بالمخاطر من كل النواحي، من حيث المنطلق، وكذلك إكسسوارات إعداد الشخصية، فلم تكن ”روني“ تتمتع بتلك الجاذبية، التي تجعلها بطلة قصة حب، فهي مع العمر فقدت حاسة الاهتمام بشكلها، ولم يكن الصوف الرديء الذي ترتديه، غير سترة، لا اهتمام في موضتها، ولا حتى مقياسها. وكذلك النظارة الطبية، التي تغطي عينين مرهقتين، وإضافة إلى ذلك الجوارب التي تصل إلى الركبتين، هذا ما جعل من الغريب أن يكون للعلاقة العاطفية مسارًا منطقيًا. لكنها السينما بمشروعها، تجمع المتناقضات، من أصل الواقع، لتدمجها في قنوات تحاور الإنسان، عبر الفن.

حوار داخلي

وما يميز التصوير في الفيلم التقاطه للحظات معبرة، جمعت الشخصيات، تلك اللحظات المليئة بالألغاز، والتأويلات، فلا تمر هكذا كلقطة عابرة في فيلم، إنما تشعل الحوار الجواني مع الذاكرة، هذا النوع من التصوير، يشبه دوائر الماء غير المنقطعة.

برود

أما سيناريو الفيلم، فقد مر بمراحل متعددة من البرود، وغياب الطاقة اللازمة لخلق التشويق. لربما غطت الفكرة العامة الفيلم على هذا النقص، فكان كل ما يأمله المشاهد، رؤية النهاية التي تنتظر رجلًا وامرأة بهذه المواصفات. كما أن المرض الذي أصاب ”إد“ لم يكن بالحدث الذي يدخل السيناريو ليحدث الفارق، في قصة كهذه.

يمكن اعتبار ”رجل الغد“ فيلمًا قادمًا من القرن الماضي، ومن فئة أفلام الخيال العلمي. ويحاول أن يتنبأ بمستقبل العالم القادم، من خلال ما ينقله من أشياء، غير قابلة للتصديق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

تسعة عشر − 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى