تحليل إخباري: قضية الصحراء.. الأمم المتحدة على رمال حارقة
العيون: سعيد المرابط
لا تزال قضية الصحراء، متشعبةً في دهاليز مجلس الأمن، بين تصلب الإدارة الأمريكية، حول تمديد مدة إنتداب بعثة ”المينورسو“، عاماً كاملاً، كما تصر فرنسا، ضاربة بثقلها إلى التقليص ستة أشهر لا غير.
الموقف الأمريكي.. تقشف مضاد لرغبة غوتيريس
وتحدثت عدة مصادر، عن تحركات، كاتب الدولة في الخارجية الأمريكية، “جون بولتون”؛ لممارسة الضغوط من أجل فرض مسودة مشروع القرار الأولية؛ التي أعدتها واشنطن، على الرغم من تأكيد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس“، على التمديد لمدة سنة بغية إعطاء فرصة للعملية السياسية.
ويرى العديد من المتتبعين، للملف، أن المقترح الأميركي الجديد بشأن مهلة الأشهر الست، يشكل عامل ضغطٍ يهدف إلى تسريع حل ملف لقضية الصحراء، الذي يعرف الجمود منذ سنة 2012.
ويعتبر سعيد زروال، الصحفي الصحراوي المعارض لجبهة البوليساريو، والمقيم بالسويد، أن، الضغط الأمريكي لتقليص مأمورية المينورسو، ”استمرار للسياسة الأمريكية الهادفة لتقليص ميزانية بعثات السلام في العالم، وهي البعثات التي ترى إدارة ترامب أنها لم تنجز المهام المنوطة بها، وتحولت إلى عالة على الهيئة الأممية بسبب الميزانيات الكبيرة التي تستهلكها، لذلك تحرص الإدارة الأمريكية على الضغط على المينورسو التي تستهلك ميزانية سنوية تفوق الــ52 مليون دولار“.
إعادة لتدوير عجلة الزمن إلى الوراء
يعتقد، كريم عايش، الباحث في الدراسات الدولية والدبلوماسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، قال في حديث لصحيفة ”الدار“، ”أن جون بولثون وخلفه الالة الديبلوماسية الأمريكية تسير بمنحى متسارع وبأسلوب غير مألوف داخل أروقة الأمم المتحدة، وهنا يجد المغرب مشكلا في مسايرة ما يريده هذا السياسي الأمريكي وما يخطط له من فرض أجندته“.
ويفسر كريم عايش، هذا السلوك على أنه ”إعادة لتدوير عجلة الزمن إلى الوراء حين كان مبعوثاً أمميا وفشل في إيجاد حل يرضي كل الأطراف“، مضيفاً أن ”الأدهى من ذلك كون المغرب أعرب ما مرةً تحيزه الواضح لأطروحة الإنفصاليين وإنطلاقه في خطة أقل ما يقال عنها عبثية، وغير ذات مصداقية، مما أدى إلى فشل مهمته واستبداله وهو أمر ربما كان سيفسر على أنه مسار سياسي لحل قضية لا يشكل أي عقدة له، لولا عودته إلى قيادة دفة الخارجية في محاولة لإنقاذ خطط الإدارة الأمريكية الأخيرة والتي أثارت ذعر العالم وتخوفاته من تغير إتجاه الفوضى الخلاقة من الشرق الأوسط إلى عموم دول العالم، وهنا برزت أنياب بولثون ليكيل المتاعب للمغرب ويستعمل لغة الوعيد، ملوحا تارة بتدخلات جذرية وتارة أخرى بعقوبات، أمر دفع الجميع لفهم إشارات ربما تكون جادة لحل القضية وطي الملف، خاصة بعد قبول الجزائر الدولة الحاضنة والراعية للبوليساريو الجلوس على طاولة نقاش تمهيدي لإطلاق مفاوضات جديدة“.
تغيير إحداثيات اللعبة
في ذات السياق، يضيف عايش، في حديثة لصحيفة ”الدار“، أنه لكي ينجح بولثون في مهمته، كان ”لا بد من تغيير إحداثيات اللعبة وتغيير مسار القضية؛ بالتقليص من مهام المينورسو، ورسم خطة جديدة تحين بعد كل جولة مفاوضات في أفق إنهاءها مع نهاية الستة أشهر التي يريد فرضها“.
ويعتقد عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، كريم عايش، أن الإملاءات الأمريكية، ”ستصطدم مع الممانعة الفرنسية الروسية الأمريكية، إذ عادة ما تكون المواجهات بين القوى الدولية عن طريق الوكالة كما يحدث في بؤر توتر مختلفة، وهو ما سيبرز جليا خلال تصويت يوم الأربعاء بعد فشل إجتماع اليوم في تمرير صيغة أمريكية“.
”هذا الأمر سيرفع الضغط على المبعوث الأممي كوهلر ويحول مهمته إلى سباق ضد الزمن، للخروج بنتائج ملموسة تغاير نتائج سابقيه في إبقاء الأمور كما هي عليه، اللهم بعض الإنفراجات والتي كانت عائلات المعتقلين وبعض الأسرى، وهو أيضا ما سيدفع إلى تقليص الميزانية المخصصة للمينورسو ربما وفرض وقف إطلاق النار مع تنبيه البوليساريو إلى ضرورة العودة إلى خطوط ما وراء حدود المغرب مع الجزائر، مع تفكيك منصات الصواريخ والقواعد المقامة قرب الجدار العازل، وإن كان المغرب قد أبلغ بجدية التهديدات والتي صارت تكتسي صبغة إرهابية، وتمويل وتدريب عسكري إيراني وبتنسيق مع الجزائر، وهو ما سيشكل إمتحانا لنوايا واشنطن للحد من المد الشيعي والإرهاب بالمنطقة وما يخطط له جون بولثون بوسوسة من النظام الجزائري في أروقة مجلس الأمن“، يضيف كريم عايش.
ويختم ذات المتحدث كلامه، بأن الذي تبقى هو جدية أطراف المفاوضات وعلى رأسهم الجزائر، فهي الضامن لايجاد حل للنزاع وأيضا الضامن ضمن ملفات أخرى حساسة لإستمرار بولثون في مهامه داخل الإدارة الأمريكية، إذ صارت كراسي البيت الأبيض كتلك الموجودة بالطائرات النفاثة لا يعلم أحدهم متى يعلن ترامب كلمته الشهيرة لتطير تلك الكراسي من مكانها فيطير معها جون بولثون.، إذ أن رهانه على النظام الجزائري بدل المغرب لن يقدم حلولا طالما استمرت الجزائر في مناوراتها و تصريحاتها المتضاربة، ولعبها على الحبال، واضعة في كل مناسبة سببا جديداً، مستحرجةً مشكلة أخرى تربك سير المفاوضات وتقوض العملية برمتها.
الأمم المتحدة.. مرتهنة في رمال الصحراء المتحركة
من جهته، يقول محمد ولد أمين، المحامي، والديبلوماسي الموريتاني السابق، أن ”الأمم المتحدة وجدت نفسها مرتهنة في رمال الصحراء المتحركة في كل إتجاه وقد أنفقت على بعثتها في الصّحراء أكثر مما انفقت أمريكا في مشروع مارشال الذي نهض بأوروبا من ركام الحرب العالمية، وصالحَها مع الازدهار“.
ويؤكد، ولد أمين، على أنه بالرغم من كل ذلك ”تبقى المماحكات حول الإستفتاء المؤجل إلى أجل غير مسمى، منذ أكثر من عشرين سنة، وغيرها من التصرفات الأممية دليلاً بيناً على أن القوى الغربية لا تريد لهذا النزاع أي حلحلة“.
ويعتقد الوزير السابق، أنه لو كان يوجد حل، ”لتم إختراعه بمهارة في باريس أو في واشنطن، أو في مكان آخر، لشل ديناميكية المنطقة نحو الوحدة ولتكريس تبعيتها الدائمة لكبريات الدول الغربية“.
ويضيف ولد أمين، ”بوتفليقة الذي كان بالأمس القريب يكرر على مسامع زواره القلائل: ”القضية الصحراوية كارثة قومية كبيرة، وعلى الجزائر وقد آلت إليها من الصحراء الإفريقية الكبرى أكبر وأغنى قطعة أن لا تكون مصدرا للتوتر في المنطقة“..”بل لا ضير إذا قامت بتصفية الملف برمته احتراماً لميثاق اتحاد المغرب العربي“.. الذي يلزم الدول الأعضاء بالامتناع عن إيواء حركات انفصالية أو معارضة لأي عضو في الإتحاد“.
موضحاً في ذات السياق، أن ”بوتفليقة هذا الذي تحرك في كل إتجاه سوى المسائل العالقة غربا، وهو يتنقل لربع قرن بين الإمارات العربية وسويسرا في رحلة التيه الأعظم مكررا نواياه الحسنة في كل محفل وبحضور شهود عدول من كل الملل والنحل، لم يغير مواقف بلاده من الصحراء، قيد أنملة بعد جلوسه على كرسي الحكم، بل عرف إتحاد المغرب العربي في زمانه موتا سريريا أكيدا، وها هو يقترب من إكمال مسيرته السياسية وربما الإنسانية دون أن يقدم على أي إجراءات من شأنها خلق روح إيجابية جديدة بين دول المغرب الكبير“.