الحي الجامعي السويسي بالرباط يلفظ طلابه…أبواب موصدة وآذان صماء أمام طلبة يبيتون في العراء
"صامدون صامدون وبالحق مطالبون"، كانت هذه إحدى أقوى الشعارات التي صدحت بها حناجر طالبات وطلاب جامعيون، قذفت بهم ظروف تجاوزت حدود العرف والطاقة إلى الشارع، ليجدوا أنفسهم يبيتون قرابة أسبوعين أمام الحي الجامعي السويسي بالرباط، حيث يفترشون الأرصفة مستعملين بعض القطع من الأقمشة التي لا تقيهم العراء.
ويعتبر هذا السلوك خطوة ملفتة لفتح باب الحوار مع مديرة الحي، التي أصرت على حد تعبيرهم أن توصد أبواب الحي الجامعي الذي يفترض أن يكون الحرم الطلابي الذي يحتمي به الطالب في مسار دراسي تطاله مجموعة من الإكراهات والصعوبات خصوصا منها المادية.
العرفان…مدينة التناقضات تلفظ طلابها
كان ذاك اليوم شديد الحر، حيث الكل يسير بخطاه المتسارعة التي لا تدرك أنت المتأمل القابع في مكانك إلى أين هي متوجهة، وحيث الحركة دؤوبة ومستمرة في المدينة الصغيرة بالرباط، المدينة التي يعمرها وفقط الطلبة والأساتذة الباحثين.
إنها المدينة الشاهدة على قدر كبير من التناقض الاجتماعي، إذ أنها تجمع بين طلبة ينحدرون من أسر راقية ويعتلون السيارات المرموقة، إلى جانب أصدقائهم أو بالأحرى زملاؤهم الذين يمثلون الطبقة الفقيرة أو الكادحة، إنها مدينة العرفان التي تضم أبرز الكليات والجامعات بالرباط.
خيام و"تشابولات" في قلب العرفان
كانت هذه مظاهر ملفتة للانتباح في يوم من أيام مدينة العرفان، ليشد انتباهي أحد المشاهد الدخيلة على رونق الشارع حد الذهول، إنها خيام نصبت بعشوائية ونسجت بأقمشة هزيلة لا تقيك حر الشمس ولظاها، بل قد تجعلك عرضة لها ولانعكاسات سلبية أخرى.
بعد لحظات فقك فهمت أن هذه الخيام العشوائية والتي حيكت بطريقة تبعث على الحيرة، هي ملاذ لطلاب وطالبات تم طردهم من الحي الجامعي رغما عن كونهم لم يتمكنوا من استيفاء المدة الزمنية التي يمنحهم إياها القانون، وهي التي تقتضي الاستفادة من فرص استدراكية للتمكن من مناقشة بحوث التخرج التي غالبا ما يتم تأجيلها للسنة الرابعة بالنسبة لسلك الإجازة أو الثالثة بخصوص مسلك الماستر.
طالبة ترثي حظها…في قريتنا البعيدة لي أب مقعد وأم تكنس بيوت كبارنا
طالبة شابة في العشرينيات من العمر طالبة باحثة في الدراسات الإنجليزية، تحتج بصوت مرتفع وتصدح الأرجاء بلغتها الثائرة التي لا تخاف في الحاضرين أحدا، كونها تؤمن قطعا أن الاستفادة من السكن الجامعي يعتبر حقا مشروعا، يحق لجميع الطلبة الاستفادة منه بدون مقابل مادي.
"كيف أحرم من الحي الجامعي ولي أب مقعد في بيتنا البعيد هناك بقريتنا الصغيرة بوورزازات، وماذا عسايا أقول لأمي التي تكنس بيت كبار قومنا بمديتنا لأتابع دراستي التي ضعف فيها الطالب والمطلوب" بهذه الكلمات الباعثة على التأمل تتكلم الطالبة ، وترثي حظا أرغمها اضطرارا متابعة الدراسة في بلد تصفه بالوطن الذي يأكل طلابه وأبنائه.
بلغة ثائرة لا تقل عن لغة أسماء، تقول طالبة أخرى لمكروفون "الدار"، تكبدت عناء التنقل لمسافة طويلة لإتمام دراستي، ولأتفاجئ أنه يتوجب علي دفع تكاليف باهضة الثمن لاكتراء غرفة هنا بالرباط، لأنه تم حرماني من الاستفادة من السكن بالحي الجامعي، وأشارت أنها قضت بالحي سابقا فقط سنتين ولم تتمكن من إتمام المدة الزمنية المطلوبة لاستيفاء شروط الحصول على ديبلوم الإجازة في مادة الفلسفة.
"ضيق الأفق والطرق المسدودة تؤرقني"
وتضيف الطالبة ذاتها أنها لا تطالب قطعا بالحصول على امتيازات هي ليست من حقها، بل تطالب فقط بتمكينها من الحصول على غرفة داخل الحي الجامعي، للتمكن من إتمام الموسم الدراسي الذي أوشك على النهاية، والذي اعتبرته يسلك بها طريقا وصفتها ب"المسدودة" حيث ضيق الأفق يؤرقها ويرديها طريحة العديد من الأسئلة، التي لم تجد لها جوابا شافيا، من قبيل مصير دراستها التي انقطعت عنها منذ انطلاق الموسم الدراسي الحالي، كونها نذرت وقتها قربانا للاحتجاج على الآذان الصماء التي تعمدت إعدام جميع طرق التواصل، ليصبح التخمين والصمت سيد المواقف.
إسم على غير مسماه…"أمل" تحتج بدون أمل
من المؤسف أن نكتشف هذه المرة أن "أمل الطالبي" إسم ليس على مسماه في إحدى الحالات التي تخص طالبة مكفوفة تتابع دراستها في السنة الثالثة في الدراسات الألمانية، تحكي بكثير من الألم والانكسار رغبتها في الحصول على غرفة تحتمي بها من الشارع، حتى تتمكن من الحصول على ديبلوم الإجازة الذي طالما ناضلت من أجله، غير أن الظروف التي تصفها بالقاسية تقف حائلا دون تمكنها من تحقيق هذا الحلم الذي تصفه بالعصي عن التحقيق والذي ضعف فيه الطالب والمطلوب.
وتقول أمل أنها تعاني مرضا نفسيا اشتد ثقله في الظرفية الراهنة، بعدما أدركت أنها لن تتمكن هذه السنة من الحصول على السكن بالحي الجامعي، وهو الأمر الذي وصفته بالظلم والجور، لأنها تعتبر نفسها تستحق هذا السكن كونها لا تقوى على التنقل والابتعاد عن مدينة العرفان التي أصبحت تخبر أزقتها وشوارعها بعدما قضت بها سنتين، وهي لا تقوى على تكرار التجربة في مكان آخر لا لسبب إلا لأنها كفيفة لا تبصر شيئا.
الوساطات تسطو على حقنا في السكن"
في السياق ذاته تؤكد أمل أنه في الوقت التي تم حرمانها من حقها في السكن، تم تمتيع العديد من الطالبات الأخريات بهذا الحق، بالرغم من غياب الشروط التي يجب توافرها في هؤلاء الطالبات، وهي التي تتمثل في مراعاة الوضعية الاجتماعية لهن.
وأشارت أن هناك مجموعة من الاعتبارات التي يتم أخذها بعين الاعتبار، والتي تكون سببا موجبا للحصول على هذا الحق، مؤكدة أن الأمر لا يخص حالة واحدة فقط إنما يخص العديد من الحالات، وهو الأمر الذي فسرته بالاعتماد على الوساطات والعلاقات الشحصية التي يتم اعتمادها في الحصول أو بالأحرى السطو على حقوق الغير.
الشارع ملاذ طالبات جامعيات
وللإشارة فإن النزول للميدان، كان هو المطية والمقربة التي اكتشفنا من خلالها أن المطالبة بالحصول على الحق في السكن الجامعي، أفصح على أن هذا الحق يتم انتهاكه في العديد من الحالات، لتكون الطالبات اللواني صرحن بهذا المعطى مجرد نموذج مصغر يختزل الصورة.
والسبب في ذلك يعزى إلى وجود مجموعة من الطالبات اللواتي وجدن أنفسهن مكرهات على التخلي على الدراسة بسسب عدم قدرتهن دفع تكاليف السكن في الأحياء الجامعية الخاصة، غير أن هؤلاء طالبات امتنعن عن الإدلاء بهذه الحقيقة التي اعتبرنها الواقع المؤلم، ويشار أن الجزء الكبير من هؤلاء الطالبات ينحدرن من مناطق بعيدة من قبيل العيون وكلميم، حيث يصبح بعد الكيليموترات عن الأهل سببا يزيد الروح تعبا والطين بلا ،كونهن وجدن أنفسهن في العراء مكرهات اضطرارا لا افتراش الشارع، مطالبات بإحقاق الحق وتمكين السكن الجامعي لأهله وخاصته الذين يستحقونه.
من طالبات جامعيات إلى الاتجار بالجسد
غير أن النقطة التي أفاضت الكأس، بل وأسالت دموع العديد من العيون هي حالات مأساوية لطابات جامعيات تحولت حياتهن رأسا على عقب، هن فتيات أكرهتهن ضنك المعيشة على الاتجار في الجسد وترويج الخدمات الجنسية للزبناء الذين يختلفون يوما بعد آخر، ليظل القاسم المشترك بينهم هو دفع الثمن المطلوب، هن طالبات تحولن من طالبات علم إلى بائعات هوى، في سبيل الحصول على الإمكانات المالية الكفيلة بجعلهن يدفعن تكاليف السكن في الأحياء الجامعية والإقامات السكنية الخاصة، بعدما تم حرمانهن من الحي الجامعي التابع للدولة.
الكحول والمخدرات تشد الأزر والعضد في هذه المهنة
"سارة " هي واحدة من الطالبات اللواتي وجدن أنفسهن عرضة للعديد من الإكراهات بعد التحاقها بالرباط لمتابعة الدراسة، لأنها وجدت الطرق غير معبدة حيث التكاليف المادية مرتفعة، بعدما أصبحت مكرهة على السكن مع مجموعة من الفتيات الأخريات اللواتي استقبلنها في شقتهن، غير أنها اكتشفت بعدها أنهن يتعاطين للكحول ومختلف أشكال المخدرات والمسكرات التي يعتبرنها العامل الذي يشد من عضدهن وأزرهن لتحمل مشاق المهنة التي يزاولنها.
نعم إنها المهنة التي أثارت انتباهي وشدت اهتمامي، حينما سألنا عن طبيعة هذه المهنة التي تكره صاحبتها على تناول المسكرات، والانفصال عن العالم الواقعي للقدرة على تحمل مشاقها وتبعاتها، إنها الاتجار في الجسد استجابة لرغبات جنسية تجمع بين الشباب والكهول والمغاربة والأجانب.
الإجهاض عرف للخلاص من العار
بعض مضي القليل من الوقت، وجدت سارة نفسها لا تختلف عن هؤلاء الفتيات اللواتي يتاجرن بأجسادهن ويتابعن في الحين ذاته دراستهن، كونها أصبحت مدمنة على الكحول والمخدرات، وأصبح الحمل غير الشرعي عرف جاري به العمل في حياتها اليومية، كونها لم تعد تتفاجئ حينما تدرك أنها حامل بطفل مجهول، ولا يكون بمقدورها أن تتذكر حتى من يكون هو الأب الشرعي أو بالأحرى البيوبوجي له، كونها كانت تقيم علاقات جنسية مع العديد من الأشخاص خارج مؤسسة الزواج.
"بل أدهى وأمر…"
قصة سارة تحمل ما هو أدهى وأمر من امتهان الدعارة والتعاطي للمخدرات، خصوصا وأنها وجدت نفسها تسير بخطى متهالكة للكلية، بعدما اكتشفت أنها تحمل جسدا عليلا أثقلته الأمراض المزمنة، من قبيل فقدان المناعة المكتسبة كنتاج فعلي للعلاقات غير الشرعية التي ربطتها بأشخاص تكاد تجهل هوياتهم بل وأنها تكاد لا تعرف حتى إسم الشخص الذي كان سببا في إصابتها بالمرض.
ويشار أن قصة سارة تعتبر فقط واحدة من ضمن قائمة طويلة، خصوصا وأن السبب الذي كان فاعلا في تأجيج الوضع يكاد يكون تافها، غير أنه يعد العامل الذي يكيل الكيل بالمكيالين ويذهب بمستقبل يكاد يكون واعدا لأكثر من طالبة، أصبحت في نهاية المطاف في عداد بائعات الهوى اللواتي لم تطأ أقدامهن يوما المدرسة.
ومن ثم يمكن أن نستنج أن السكن الجامعي لا يعتبر مجرد مجال للاستقرار فحسب، إنما يتجاوز هذا المستوى لأنه يعتبر بمثابة مؤسسة تربوية يتحتم عليها القيام بدور المراقبة والتوجيه، في أفق تحصين الطالب من الانصياع وراء الانحلال الأخلاقي الذي يفسره غياب التأطير، وكانت هذه هي النتيجة التي طالت العديد من الطالبات اللواتي ارتمين في أحضان الدعارة والمخدرات بعدما لم يتمكن من تحمل تبغات التكاليف المادية المرتفعة لمتابعة الدراسة بمدينة الرباط.
أسئلة عدة…والصمت سيد الموقف
تكررت المحاولات لكن النتيجة كانت واحدة ، كوننا حاولنا مرارا الاتصال بالمديرة الوصية على إدارة الحي الجامعي السويسي، لكن لم نوفق في الأمر، كما تم منعنا من ولوج الحي في محاولة لفهم الأسباب الماثلة وراء طرد الطالبات ومنع أخريات من الاستفادة من خدمات الحي الجامعي إلى حدود نهاية الموسم الدراسي.
خصوصا وأن شهادات الطالبات أفادت بأنه بغض النظر من حرمانهن من السكن هناك مجموعة من الاختلالات التي تطال الحـي، كون الإدارة تعمدت غي أكثر من مرة توقيف خدمات الكهراباء والماء على الغرف، في محاولة للضغط عليهن حتى يخضعن للأمر الواقع ويتخلين عن أسرتهن بالحي الجامعي.
دوره التأطير والتربية وليس مجرد الإيواء
منخلال استقاء هذه الشهادات، كان من السهل جدا أن نستوعب الأهمية البالغة التي يكتسيها الحي الجامعي، والذي يجب أن يحاط بقدر كبير من الأهمية، لأنه يعد واحدا من المؤسسات التربوية التي يجب أن تتربع على عرش انشغالات واهتمامات الدولة، خصوصا وأنه يعتبر الحرم السكني الذي يشرف غلى توجيه السلوك وتعديل الحالات التي تستلزم تدخلا إداريا محكما، يحتكم لقواعد التربية والتوجيه بدل ممارسة مختلف أشكال القمع والتنكيل التي تكون في معظم الأحيان سببا مقنعا للانحراف، وهو الأمر الذي لا يعد انطلاعا شخصيا إنما حقيقة معاشة استقيناها من الشهادات التي أدلت بدلوها في هذا الموضوع قيد الدراسة.