فنلندا توظف مواردها لتعزيز الحضور على الساحة الدولية
كشفت النقاشات الجارية في فنلندا بخصوص ميزانية العام المقبل سعي هلسنكي إلى تعزيز تأثيرها على الساحة الدولية، وذلك بعد حضور دبلوماسي لافت في الفترة الأخيرة التي تميزت بترؤس هذا البلد الشمالي لمجلس الاتحاد الأوروبي في دورته الحالية.
وتسعى حكومة أنتي رينيه، من خلال المعطيات المتاحة بخصوص ميزانية السنة المقبلة، رصد موارد إضافية لتقوية الشبكة الدبلوماسية لفنلندا بأربعة تمثيلات جديدة خلال الفترة 2020-2022. كما تهدف هلسنكي إلى الرفع من مكاسب الهجرة خصوصا ما يتعلق باستقطاب الكفاءات والخبراء، من خلال تركيز الجهد في الفترة القادمة على تسريع وقت تجهيز تصاريح الإقامة المتعلقة بالعمل عن طريق تعزيز موارد البعثات الفنلندية في الخارج بمقدار 2.5 مليون يورو.
وتساهم ميزانية الدولة لعام 2020، وفق وزير الشؤون الخارجية بيكا هافيستو، في تعزيز المهام الرئيسية لوزارة الخارجية، من خلال توسيع شبكة البعثات الدبلوماسية الفنلندية، وتقوية وساطة السلام بمزيد من الموارد لتطوير التعاون بين بحر البلطيق والقطب الشمالي. وبفضل هذه التدابير، وفقا للمسؤول الفنلندي، "يمكن لفنلندا تعزيز رؤيتها الخاصة للعالم".
وتعد المشاركة في منع النزاعات والوساطة وبناء السلام هدفا طموحا لفنلندا من أجل لعب أدوار أكبر على الساحة الدولية، وهو الأمر الذي عكسته جهود هلسنكي خلال أزمة استهداف الناقلات في منطقة الخليج الصيف المنصرم، حيث تدخلت السلطات الفنلندية لدى جمهورية إيران لإطلاق سراح مواطن من ليتوانيا -بعد طلب من هذه الأخيرة- كان من بين المحتجزين ضمن طاقم سفينة "ستينا إمبريو"، وهي الجهود التي تكللت بالنجاح في نهاية المطاف.
كما شكلت العاصمة الفنلندية، في الشهور الأخيرة محجا لمسؤولين رفيعي المستوى وفضاء لمناقشة عدد من الملفات الشائكة والمثيرة للجدل، لعل أبرزها زيارة وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في ذروة التوتر المرتبط بالملف النووي وأزمة الناقلات. دون إغفال زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في زيارة عمل تم خلالها التطرق إلى عدد من الملفات التي توتر العلاقة مع الاتحاد الأوروبي خصوصا الأزمة في أوكرانيا، وهي الزيارة التي توجت بطلب من الرئيس بوتين لساولي نينستو بلعب أدوار أكبر في التقريب ما بين روسيا والاتحاد الأوروبي خلال الرئاسة الفنلندية الحالية لمجلس الاتحاد.
ولعل فنلندا ترغب في أن “تضطلع بدور أكبر في العالم وتتحمل مسؤولية دولية"، وفق تعبير فيل سكيناري، وزير التنمية والتجارة الخارجية، من خلال التعاون في مجال التنمية والمساعدات الإنسانية والتمويل الدولي للمناخ، والذي اعتبر أن فنلندا تسعى إلى “المساهمة في حل المشكلات العالمية وتحمل المسؤولية عن مستقبل البشرية وسلامة الكوكب".
فبالإضافة إلى مكافحة تغير المناخ، سوف يشمل التعاون الإنمائي المكثف الحد من المعاناة الناجمة عن الصراعات، وتعزيز الديمقراطية وسيادة القانون، ومعالجة أزمة التعلم. وفي هذا الصدد، مكنت النقاشات حول الميزانية من الاتفاق على خطة استثمارية للظرف المالي للتعاون الإنمائي من أجل الهيئة التشريعية بأكملها. وسيتم تخصيص 75 في المئة على الأقل من الميزانية المخصصة خلال الهيئة التشريعية لتمويل المناخ و60 في المئة لأفريقيا.
كما سيتم تعزيز القدرة على منع النزاعات والوساطة وبناء السلام من خلال استثمار إضافي قدره 1.5 مليون يورو بحلول عام 2020. ويسعى صناع القرار أيضا إلى زيادة مشاركة الموظفين المدنيين في إدارة الأزمات من خلال تمويل دائم إضافي لوزارة الخارجية ووزارة الداخلية بمبلغ إجمالي قدره 1.5 مليون يورو في عام 2020، مما سيرفع الغلاف المالي المخصص لهذا المجال إلى 4.5 مليون يورو بحلول عام 2023.
وستزيد الاعتمادات المقترحة للتعاون الإنمائي الفعال بحلول عام 2020 بحوالي 100 مليون يورو مقارنة بعام 2019، والزيادة البالغة 71.7 مليون يورو ناتجة عن الزيادة الدائمة للبرنامج الحكومي إلى 79.8 ملايين يورو في عام 2023. وسيخصص تمويل فريد يصل إلى 10 ملايين يورو بالنسبة للفترة 2020-2021.
ومن خلال مختلف هذه التدابير المالية تسعى هلسنكي إلى حضور أكبر على رقعة الفاعلين الدوليين المؤثرين، وتواجد فاعل لحل عدد من القضايا والإشكالات الدولية، وتجاوز موقع الحياد والعزلة التي ارتبطت بهذا البلد الشمالي بحكم اعتبارات جيواسترايجية عديدة.