التعديل الحكومي حقق رهان التقليص وأخطأ رهان الكفاءات
الدار / رشيد عفيف
لم يكن تعديلا بقدر ما كان تقليصا. هذا هو التوصيف الدقيق لحكومة سعد الدين العثماني في نسختها الثانية. الانتقال من تشكيلة تضم تسعة وثلاثين وزيرا إلى حكومة تقتصر على ثلاثة وعشرين وزيرا. إدماج عدد مهم من الحقائب والقطاعات في وزارة واحدة، ثم تطعيم كل هذا بستة وزراء جدد كان هاجس التنوع والتشبيب هو المتحكم في تعيينهم. بالمعنى السياسي لهذه الإجراءات يعتبر التعديل الحكومي مبالغة نوعا ما في وصف ما قام به رئيس الحكومة من إجراءات كان بعضها مثيرا للجدل وبعضها الآخر مثيرا حتى للاستغراب.
لقد تم الحفاظ على أكثر من ثلاثة أرباع الوجوه الوزارية القديمة واقتصار التعديل الحكومي على توظيف وجوه جديدة محدودة أو تغيير الحقائب التي يحملها بعض الوزراء. بالنسبة للكثير من المراقبين تعتبر هذه التعديلات كمية بالأساس ولم تشمل الجانب النوعي المتعلق بصنف البروفايلات الوزارية التي تم إدماجها. وهذا يعني أن التعديل إذا كان قد نجح في رفع رهان التقليص فإنه بالمقابل لم ينجح في رفع "رهان الكفاءات" الذي كان في الأصل المحرك الأساسي لهذا الإجراء.
ففي خطاب العرش الأخير دعا الملك محمد السادس رئيس الحكومة إلى تقديم اقتراحات بخصوص التعديل الحكومي يراعى فيها شرط الكفاءة. ولم يتردد بعض المتابعين بعد إعلان قائمة الحكومة الجديدة في طرح سؤال: أين هي الكفاءات؟ وفي خضم الإجابة عن هذا السؤال فقدت التعديلات التي تم إجراءها بغرض تقليص الحقائب الوزارية قيمتها رغم المجهود الذي تم بذله في دمج عدد من القطاعات الحكومية.
وظهر الوزراء المغادرون للحكومة بمظهر "اللاكفاءة" بالنظر إلى أن جل أعضاء الحكومة حافظوا على مواقعهم. إذ طال التعديل فقط بعض كتابات الدولة أو الوزارات غير الاستراتيجية بينما حافظت النواة الحكومية الصلبة على مواقعها، إذ لم يطل التغيير أمهات الوزارات كالداخلية والأوقاف والمالية والاقتصاد والفلاحة وغيرها مما يعطي انطباعا بأن الوزراء الباقين يمتلكون شرط الكفاءة المطلوبة. وتبدو هذه النتيجة مستغربة في السياق الحالي الذي تزامن فيه التعديل الحكومي مع الزوبعة الإعلامية التي أثارها قبل أسابيع قليلة تقرير المجلس الأعلى للحسابات الذي شرح منجزات جل القطاعات الحكومية وخصص نقدا لاذعا للكثير منها وكان على رأسها وزارة الفلاحة التي استمر الوزير الوصي عليها عزيز أخنوش في منصبه بعد التعديل الأخير.
وبناء على غياب التعديل الجوهري للحكومة، فمن الواضح أن المقصود بالكفاءات هو ضخ دماء تقنوقراطية جديدة في الحكومة. هذه الدماء الجديدة مثلتها بعض الأسماء الجديدة كوزير الصحة خالد أيت الطالب أو إدريس اعويشة، الوزير المنتدب المكلف بالتعليم العالي والبحث العلمي. لكن أهم الدروس التي أفصحت عنها عملية التعديل الحكومي هو عجز الماكينة الحزبية عن إنتاج وتصعيد كفاءات متميزة قادرة على تحمل المسؤوليات الحكومية ورفع التحديات التنموية المنتظرة وعلى رأسها طبعا مشروع تنزيل النموذج التنموي الجديد.
لقد ظهرت الأحزاب في سياق هذا التعديل بمظهر الهيئات العاجزة عن تقديم وجوه جديدة للمناصب الوزارية وخصوصا تلك التي أثارت الجدل حول كفاءة من تولوها طوال الفترة السابقة. وهذه الخلاصة لن تزيد سوى من اهتزاز صورة الفاعل السياسي والمكون الحزبي على الخصوص بعد كل المشاهد التي تعاقبت في الأسبوعين الماضيين وشهدت اقتتالا وشجارا في لقاءات حزبية كما حدث في اجتماع حزب التقدم والاشتراكية وحزب الحركة الشعبية، وكما حدث باجتماع مجلس مدينة الرباط. هذه الصورة المهتزة هي ذاتها التي كرسها التعديل الحكومي المحدود جدا، والصراعات التي ولدها داخل الهيئات الحزبية بين القيادات والقواعد، وظهر من خلالها أن الفاعل الحزبي كائن يعيش فقط للتنافس حول ريع المناصب والمسؤوليات.
وبغض النظر عن مدى كفاءة الوزراء المستمرين في الحكومة أو الذين التحقوا بها في هذا التعديل فإن قائمة سعد الدين العثماني الجديدة كسرت أفق الانتظار السياسي وقزمت من حدث كان من الممكن أن يكون بداية حقيقية للزلزال السياسي المنتظر.