غير مصنف

هل تنهي انتخابات 12 دجنبر الحرب الباردة بين الشارع والجيش في الجزائر؟

 الدار/ رشيد عفيف

بعد انطلاق الحملة الانتخابية الرئاسية دخلت الجزائر اختبارا سياسيا عسيرا قد يتسبب في تصعيد تبعات الحراك الشعبي الذي انطلق منذ فبراير الماضي. وبينما تواصلت اليوم الجمعة مظاهرات في العاصمة الجزائرية تطالب بمحاربة الفساد وإلغاء الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها الشهر المقبل يفتح تحدي العسكر للشارع الجزائري مستقبل البلاد على المجهول. وفي أفق 12 دجنبر المقبل يرتقب أن يتفاقم الصراع بين الشارع والمؤسسة العسكرية ليتخذ أبعادا تنذر بتفاقم الأزمة السياسية.

وقد بدأت معالم المواجهة المباشرة بين الشارع والدولة بعد أن اعتبر رئيس الهيئة المستقلة للانتخابات محمد شرفي أن من حق الدولة التصدي لمن يعرقل العملية الانتخابية في الوقت الذي بدأ فيه المتظاهرون تنظيم مسيرات احتجاجية ليلية اجتاحت العاصمة ضمن حملتهم المستمرة منذ أشهر. ويصر المحتجون على رفض إجراء انتخابات "مع وجود العصابة" حسب الشعارات التي تم رفعها، كما يرفضون وجود سياسيين من نظام الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة خلال المرحلة الانتقالية.

وبينما بدأ المرشحون الحملات الانتخابية رسميا يوم الأحد الماضي لا يزال زخم الحراك الشعبي يتزايد مطالبا برحيل كل من يمثلون نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة تحت الشعار الشعبي "يتنحاو كاع". ورغم كل إجراءات المحاسبة التي اتخذتها المؤسسة العسكرية ضد بعض رموز النظام السابق الذين يقبع الكثير منهم في السجون، ويخضع آخرون منهم للمحاكمة، إلا أن المحتجين يرفضون مغادرة الشارع غير آبهين بمغازلة الفريق أحمد قايد صالح نائب وزير الدفاع رئيس أركان الجيش الذي صرح أمس الخميس بأن الشعب يرى في الانتخابات الرئاسية "المخرج الوحيد من مثل هذه الظروف الخاصة التي تمر بها الجزائر"، مضيفا أن "الشعب الجزائري سينتصر اليوم رفقة جيشه على أذناب العصابة".

وبينما يقدم قايد صالح معضلة الفراغ السياسي كمبرر قوي لضرورة تنظيم الانتخابات في أقرب الآجال وتشكيل المؤسسات التنفيذية والتشريعية للبلاد، لا تزال القوى الثورية تعرض مطالبها بتنحي الجميع بنوع من التلميح، إذ يرى الكثير من المراقبين أن المقصود بتنحي "الجميع" قيادة المؤسسة العسكرية نفسها وعلى رأسها الفريق قايد صالح. ويتفادى الشارع الجزائري إلى حدود اليوم الدخول في مواجهة مباشرة مع قيادة الجيش خصوصا بعد أن تعاملت هذه الأخيرة بنوع من الذكاء مع الحراك الشعبي منذ انطلاقه في فبراير الماضي.

وقد ظهر ذكاء المؤسسة العسكرية في خيارين رئيسيين: أولهما تفادي استعمال العنف والرصاص الحي في مواجهة المتظاهرين، وهو الأمر الذي جنب البلاد إلى حدود اليوم مخاطر الدخول في دوامة جديدة من العنف، وربما العودة إلى حرب أهلية طاحنة كتلك التي عاشتها الجزائري في العشرية السوداء. وثانيهما هو التضحية المباشرة والفورية ببعض رموز النظام السابق والزج بالكثير منهم في السجون استجابة لمطالب الشارع، رغم أن هذا المطلب تم التعامل معه بشكل انتقائي، إذ لم تكن حملة التطهير ومحاسبة المفسدين شاملة كما يطالب بذلك المتظاهرون.

لكن إجراء الانتخابات في 12 دجنبر المقبل قد يمثل موعدا سياسيا حاسما في هذه الحرب الباردة الجارية بين العسكر والشارع. فمن الواضح أن المتظاهرين لن يقبلوا بأي شكل كان نتائج الانتخابات الرئاسية، وهو ما يفقد المؤسسة التنفيذية المقبلة شرعيتها قبل تشكيلها. كما أن إصرار قيادة الجيش على تنظيم هذه الانتخابات واختيار رئيس للبلاد قد يفاقم الأزمة السياسية بدخول فاعل سياسي آخر مما قد يؤدي إلى تراكم الخلافات والتأسيس لمطالب جديدة تنضاف إلى قائمة المطالب القديمة. ومن هذه الزاوية يبدو إصرار قيادة الجيش على تنظيم الانتخابات محاولة واضحة لتشتيت المطالب الشعبية وتعويمها والانتقال بالصراع السياسي من طابعه الكلي الذي يدور حول شرعية الدولة ومستقبلها، إلى القضايا الفرعية التي ستفرزها نتائج الانتخابات المرتقبة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

خمسة × اثنان =

زر الذهاب إلى الأعلى