تحليل إخباري: زيارة سانشيز للمغرب والأزمة الصامتة بين البلدين
الدار/ سعيد المرابط
تأتي زيارته للمغرب، بعدما هدم رئيس الحكومة الإسبانية، ‘‘بيدرو سانشيز’’، ذلك التقليد السياسي، الذي دأب عليه كل رؤساء الحكومات الإسبانية السابقة، منذ الانتقال الديمقراطي الإسباني، مذ حوالي أربعين حُجةً، وهو تقليد كان المغرب يمثل فيه أول محطة خارجية يزورها رئيس الحكومة.
المؤسسة الملكية الإسبانية.. جرح الكبرياء
وفضّل ‘‘سانشيز’’ أن تكون فرنسا أول دولة يزورها في الـ22 من يونيو الماضي، لتتوالى بعد ذلك جولاته الخارجية أوروبياً، وحتى خارج القارة العجوز، إذ أجرى ‘‘سانشيز’’، جولته قبيل زيارة المغرب في أمريكا اللاتينية، التي أعلن منها زيارته للمغرب.
ويرى العديد من المتابعين للملف، من مغاربة وإسبان، أن تأجيل زيارة المغرب، تتجاوز الحكومة، إلى المؤسسة الملكية الإسبانية، التي لا زالت مجروحة في كبريائها، بسبب ‘‘تأجيل زيارة ملك إسبانيا للمغرب مرتين بدون سبب من طرف المغرب’’، مروراً بالضغط الذي تمارسه أحزاب اليسار والقوميين، المتحالفين مع الحكومة الحالية، ومواقفهم الداعمة لجبهة البوليساريو بشكل مباشر وصريح، ولعل تصريحات ’’دييغو كاناميرو‘‘ عن حزب ’’بوديموس‘‘ يوم أمس، دليل ثابت وملموس على هذا الطرح.
محلل سياسي: نضع الزيارة في محلها ونعتبرها أول الزيارات المؤجلة
وعن هذه الزيارة، يرى كريم عايش، الباحث في الدراسات الدولية والدبلوماسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، في حديث لصحيفة ”الدار‘‘: ”يفهم الكثيرون أن زيارة رئيس الحكومة الإسبانية على أنها زيارة مؤجلة ومتأخرة، وهي زيارة تبرز تحولا كبيرا في البروتوكول المتعارف عليه بين المغرب وإسبانيا إذ دأب كل رؤساء الحكومات منذ بداية الثمانينات على تخصيص زيارة المغرب كأول نشاط خارجي يقوم به رئيس الحكومة، وهو ما لم يتم هذه السنة، ولذى وجب علينا فهم الحيثيات حتى نضع الزيارة في محلها ونعتبرها أول الزيارات المؤجلة‘‘.
ويعتبر كريم عايش، المحلل السياسي المغربي، أن الزيارة التي كانت مقررة في يونيو، ’’تصادفت وشهر رمضان بالمغرب وحين تم تأجيلها صادف ذلك أيضا القمة الأوروبية ببروكسيل، وراء تاريخ زيارة المغرب مما جعل أجندة رئيس الحكومة الاسبانية في سياسته الخارجية على حبل مشدود، بين التزام بروتوكولي و موعد أوروبي أولوي، فكان أن سن ’’بيدرو سانشيز‘‘ عرفا جديدا بزيارة فرنسا في طريقه إلى بروكسيل، وهو بذلك كان مرغما على إيجاد حل لرمزية أول خروج لرئيس الحكومة، ليصبح بلدا جارا وليس دولة حليفة أو متقاربة لغويا أو إيديولوجيا، وهو عرف دبلوماسي متعارف عليه دوليا يبرز متانة علاقات الصداقة وحسن الجوار، غير أن زيارة المغرب برمجت في شنبر، ولم يكن متاحا ذلك بسبب خلافات الحزب الاشتراكي مع حزب ’’بوديموس‘‘ واستعجالية معالجة ملف الهجرة الذي شغل أوروبا طيلة شهري شتنبر وأكتوبر، ملقيا بضلاله على علاقات إسبانيا بدول أوروبا، المحايدة للبحر الأبيض المتوسط والأخرى بالضفة الجنوبية‘‘.
ويضيف عايش، أن ’’الزيارة المرتقبة ليوم الاثنين تتم وسط ضغط سياسي من طرف حلفاء الحزب الإشتراكي وعلى رأسهم ’’بوديموس‘‘ الذي يشوش على عمل الحكومة الرامي إلى إيجاد حل توافقي لقضية الصحراء، إذ يتهم هذا الحزب وبوقاحة سياسية يقل نظيرها الحزب الاشتراكي بدعم ما تسميه الاحتلال المغربي للصحراء، وهو موقف يزعج مجهودات هذه الحكومة الملقبة بحكومة فرانكانشتاين بسبب عدم تجانس تركيبتها وتنافر أطيافها بعد فوزهم في عزل ماريانو راخوي بإسقاط حكومته بالبرلمان، عقب فضيحة الفساد بالحكومة السابقة‘‘.
زيارة سانشيز.. ’’عامل أساسي لتقوية العلاقات المغربية الإسبانية
ويقدر عضو مركز الرباط للدراسات السياسية والإستراتيجية، كريم عايش، أن الزيارة القادمة، ستشكل ’’عاملا أساسيا لتقوية العلاقات المغربية الاسبانية وتجنيبها ضربات الخصوم عبر تقوية التعاون الأمني أولا في ميدان مكافحة الهجرة غير الشرعية ومعها الجريمة المنظمة، وتمكين المبادلات التجارية من الرقي و التطور برفع حصة إسبانيا من الاستثمارات بالمغرب، وتعزيز التبادل العلمي والتكنولوجيا، أضف إلى هذا راهنية التفكير الجدي والاستراتيجي في الربط القار بين إسبانيا والمغرب وضرورة إيجاد صيغ توافقية بخصوص تعزيز التعاون العسكري والذي يبقى مستواه ضعيفا مقارنة مع نظيراتها الأوروبية، دون ما إغفال أهمية ربط جسور التبادل الثقافي والأكاديمي لفهمٍ صحيحٍ للسياسة والإستراتيجية الإسبانية مستقبلا‘‘.
الآن، لا يبقى سوى إنتظار ما ستخرج به هذه الزيارة، وهل تكون بداية إطفاء مراجل الأزمة الصامتة بين النظامين، ازدادت حدتها في الآونة الأخيرة، مع الإشارة إلى حاجة الجارة الشمالية للمغرب في ملفات كثيرة؛ على رأسها الهجرة والتبادل التجاري والتنسيق في مجال مكافحة الإرهاب.