غير مصنف

كتاب “بابلو إسكوبار والدي”… الدار تقدم النسخة العربية (الحلقة 6)

الدار/ حديفة الحجام

الفصل الثاني

ما هو مصير المال؟ (2)

أجابت على الفور بنعم فهي كانت دائما مشتهرة بالتقدم والاندفاع. وبناء عليه كشفت لها أماكن إخفاء الصندوقين في المنزل الأزرق، واقترحت عليها عدم إخبار أي أحد وأن تذهب وحدها في الليل، ويفضل استعمال سيارة أخرى غير سيارتها، وأن تطيل التعرجات قبل الوصول إلى المنزل، وأن تبقى مركزة على المرايا العاكسة في السيارة لتجنب أن يتبعها أي أحد. وفي الأخير كتبت رسالة قلت فيها لـ "الغوردو" إن عمتي لها ترخيص بانتشال صندوقي المال.

وبعد أن أنهيت التعليمات سألتها إن كانت خائفة من الذهاب للبحث عن المال.

–أنا لا أهتم… سأذهب للبحث عن المال أنى وجد –أجابتني بشكل قاطع.

عادت عمتي إلى الفندق بعد ثلاثة أيام، وعند دخول الفندق لم يكن وجهها على ما يرام. حيتنا وعينينا لا ترتفعان عن الأرض، ففكرت فورا أن شيئا حصل للمال. بعد ذلك طلبت مفاتيح إحدى شقق الطابق التاسع والعشرين الفارغة واجتمعت بها على انفراد.

–خوان بابلو، المنزل الذي يوجد فيه "الغوردو" ليس فيه إلا بضع دولارات فقط، ليس أكثر –قالت بسرعة البرق.

التزمت الصمت لعدة دقائق حدثت نفسي خلالها همهمة. في بداية الأمر لم أشكك في روايتها وركزت غضبي على الغوردو، السارق، الذي بكل تأكيد بحث وبحث إلى أن عثر على صندوقي المال.

غرقنا في بحر من التساؤلات بعد اختفاء المال، لكن كان علينا أن نبقى صامتي لأنه لم يكن علينا أن نعارض رواية عمتي. وإلى تلك اللحظة لم أكن أجرؤ على التشكيك فيها ولم يكن علي أن أقول شيئا، فقد رأيت في أحيان سابقة أنها كانت وفية لوالدي.

في المجمل، كانت الأمور المتعلقة بالمال بعيدة عن توصلنا إلى أي حل مع أعمامي.

وفي أواسط مارس 1994، وبعد ثلاثة أشهر على الوصول إلى "ريسيدينسياس تيكينداما"، استأجرنا منزلا كبيرا من طابقين في حي "سانتا أنا" بهدف تقليص المصاريف إلى أن نجد حلا لوضعيتنا، التي كانت معلقة في الهواء.

ولم يكن ينقصنا الكثير من المال فقط، وإنما كانت حياتنا في خطر مستمر ولهذا ظل يحوطنا حزام أمني من "مديرية البحث الجرمي والإنتربول" و"قسم محاربة المخدرات في أمريكا اللاتينية" والنيابة العامة.

وبما أننا أقررنا بضياع محتوى الصندوقين في ميديين، قررنا أن نطلب من أعمامي الملايين الثلاثة التي أعطاها أبي لروبرتو من أجلنا.

في تلك الفترة كنا نتخيل أنهم أنفقوا جزء كبير من المال. وبسبب مطالبتنا حصلنا على التفسير بشكل سريع. وجاء عن طريق جدتي إيرميلدا وأعمامي غلوريا وألبا مارينا ولوث ماريا وأرغيميرو حينما قدموا زوال أحد الأيام إلى منزلنا في "سانتا أنا".

اجتمعنا في غرفة والدتي في الطابق الثاني بهدف منع العناصر الأمنية المتمركزة في الطابق الأول من الاستماع لما كنا نقول.

وأخرجوا مجموعة من الأوراق المأخوذة من دفتر، كما لو تعلق الأمر بحسابات محل من محلات الحي، كانت مدونة عليها مصاريف الأشهر الأخيرة: ثلاثة آلاف دولار لتأثيث منزل عمتي غلوريا الجديد، وأربعة آلاف لسيارة أجرة من أجل عمتي غلوريا، وعدد غير محدد من مصاريف جدي آبيل لتسديد نفقات الخدم ولإصلاح السيارات ولشراء سيارة قصد تعويض أخرى جرى الحجز عليها، من بين عناوين أخرى.

وفي النهاية، كانت القائمة طويلة الغرض منها تبرير أن روبرتو أضاع خمسة وسبعون من المائة من الدولارات التي أودعها والدي عنده. وبعبارات أخرى، كان روبرتو يرغب في أن يبرر المبلغ الباقي.

ناقشت وأنا في حالة من الغضب جزء كبيرا من المصاريف التي كانت تبدو تبذيرا أكثر منه تعليلا، وركزت انتقاداتي للمبلغ المبالغ فيه لقيمة أثاث عمتي غلوريا، والتي غضبت مني وقالت كيف كان بالإمكان عدم حصولها على حق تعويض الأشياء التي فقدتها في الحرب. لكن وبعيدا عن التهريج، الشيء الحقيقي تمثل في أن طريقة وضع الحسابات كانت سيئة، لأنه لم يكن من المعقول أن يتجاوز الأثاث قيمة الشقة. أما ألبا مارينا فقد أمعنت في التبرير وقال بسخرية إن روبرتو لم ينفق المال في الأكل.

 

انتهى اللقاء بجدتي وعماتي نهاية سيئة فقد أخبرتهن أنني غير مقتنع بتلك الحصيلة الرياضية. وكنت على يقين أني ل أستعيد المال، لذلك فكرت فيما يجب فعله وتذكرت أننا بدأنا منذ بضعة أسابيع نتلقى تهديدات من داخل السجون من أربعين رجلا على الأقل، كانوا يشتغلون مع والدي وظلوا في حالة من العوز بعد موته. ولتجنب مزيد من المشاكل من داخل السجون طلبت من روبرتو أن يساعد أولئك الفتية وعائلاتهم بذلك المال.

وبناء على حسابات،ي كان المال الذي بحوزة روبرتو يكفي لسنة واحدة. واعتقدنا أن ذلك كان التزاما أحسسنا أننا ورثناه تجاه أولئك الذي رافقوا والدي في الحرب وسقطوا سجناء وأدينوا بأحكام سجنية طويلة. ودائما ما كان أبي يقول إنه لا يجب ترك الناس تواجه مصيرها في السجن، فهناك يكونون في أمس الحاجة للمساعدة. وكنت دائما أراه حينما يقولون له "سيدي، لقد سقط فلان"، كان يرسل المحامين للترافع عنه ولذويهم المال. بتلك الطريقة تعامل والدي مع الجميع ومع كل من كانوا يتساقطون لمساعدته على ارتكاب أفعاله القبيحة.

وبما أن ما يبدأ سيئا ينتهي إلى ما هو أسوء، حتما تحول هذا المال إلى صداع رأس جديد لنا وإلى سبب من أسباب تدهور علاقتنا بأقربائنا المتدهورة أصلا.

مرت أسابيع على ذلك اللقاء وتلقينا بعدها أخبارا من بعض السجون تركتنا في حيرة من أمرنا. حيث تقول بعض الروايات إن الجدة إيرميلدا زارت بعض الرجال ممن كانوا يشتغلون مع والدي وأخبرتهم أن المال الذي تلقوه مال روبرتو.

ووجدت نفسي مجبرا على أن أبعث برسالة إلى مجموعة من السجون أخبرهم فيها الحقيقة وأطلب منهم إخبار باقي السجناء أن أبناء بابلو وزوجته طلبوا من روبرتو مساعدة السجناء بتلك الأموال. لقد كنت أعلم أن الطريقة الوحيدة لجعل روبرتو يرجع المال هي جعله يوزعها على السجناء.

وفي أثناء ذلك، وكما كان متوقعا، سرعان ما بدأت المشاكل مع المجرمين الذين اشتغلوا مع والدي، لأن المال الذي كان يرسله روبرتو إليهم توقف عن الوصول. فاتصلت به من وأنا في حالة من القلق، غير أن لم يجد أي حرج في قول إن المال كان يكفي لخمسة أشهر فقط.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 − 12 =

زر الذهاب إلى الأعلى