مال وأعمال

دلالات نجاح أبرز المؤسسات الاقتصادية بالمغرب سنة 2018

بفضل مؤهلاتها الاقتصادية الكبيرة، جعلت مدينة الدار البيضاء، المشرفة على أبواب القارة السمراء، من المغرب وجهة لاستقطاب كبريات الشركات العالمية، ووسيطا مفضلا للربط بين اقتصاديات الشمال والجنوب، فهذه المدينة، التي تعتبر الرئة الاقتصادية للبلاد، أصبحت منصة عالمية بالنسبة للمملكة، تتجمع فيها أنشطة مجموعة من الفاعلين الاقتصاديين والماليين الذين حققوا نتائج مهمة على المستوى الدولي.

ومن بين هؤلاء الفاعلين، هناك ثلاث مؤسسات تميزت خلال السنة الجارية، واستطاعت أن تجذب انتباه مختلف وسائل الإعلام ورجال الأعمال وصناع القرار على المستويين الوطني والدولي، يتصدرها الاتحاد العام لمقاولات المغرب، الذي يبدأ صفحة جديدة من تاريخه بعد انتخاب رئيس جديد ، ثم المركز المالي للدار البيضاء الذي اصبح يحظى بمكانة مميزة في أسواق المال العالمية والقارية وشريكا لعدد من المراكز المالية الدولية، فبورصة القيم بالدار البيضاء، التي تشق طريقها من بين كبريات الأسواق المالية الدولية برؤية وخارطة طريق تمتد إلى غاية 2021.

 عرفت سنة 2018 العديد من التظاهرات والأحداث الكبرى، خاصة في مجال المال والأعمال، ومن أبرز هذه الأحداث، انتخاب صلاح الدين مزوار على رأس الاتحاد العام لمقاولات المغرب، بعد الانتصار الذي حققه إثر حملة تعبئة استغرقت نحو شهر كامل، ليحصل على نحو 78 في المائة من الأصوات، ويصبح الرئيس الحادي عشر لهذه المؤسسة المقاولاتية.

وبفضل خبرته التي اكتسبها في ميدان الأعمال، وبعد عودته الناجحة إلى هذا المجال، ومساندا من طرف نائبه فيصل مكوار، الذي خبر دروب الاتحاد العام لمقاولات المغرب جيدا، استطاع مزوار، الرئيس السابق لحزب التجمع الوطني للأحرار، أن يشكل ثنائيا قويا إلى جانب مكوار، ربح التحدي في مواجهة الثنائي حكيم مراكشي وآسية بنحيدة عيوش.

ومن خلال هذه المحطة، يكون الاتحاد " قد أنهى مرحلة غنية بالنقاش، مرحلة أثرت الديمقراطية الداخلية، فشكرا لهذه اللحظات التاريخية"، كما صرح بذلك مزوار مباشرة بعد انتخابه، خلفا لمريم بنصالح شقرون، التي بصمت على مسيرة مميزة خلال توليها رئاسة الاتحاد لولايتين متتاليتين، مؤكدا أنه "لابد من تشمير السواعد لأن التحديات عديدة، والمغرب، بمؤسساته وبقطاعه الخاص، مستعد دائما لرفع هذه التحديات".

وأعرب الثنائي مزوار ومكوار عن طموحهما في تعزيز الدور الذي يقوم به الاتحاد كقوة اقتراحية، وأن يجعلا منه حجر الزاوية في إطار نموذج جديد للتنمية الاقتصادية بالمملكة.

ويعتزم الاتحاد، عبر هذه المحطة، أن يقوي أداءه للتفاوض مع الحكومة بشأن ميثاق للتنمية والشغل، تلتزم فيه كل الأطراف بالقيام بإجراءات فورية واستعجالية من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية أفضل، وذلك بهدف بلوغ معدلات نمو تقارب 6 في المائة خلال السنوات القادمة ومواجهة المعضلات المتصلة بالبطالة.

وبالنسبة للعديد من الملاحظين، فإن مهمة مزوار لن تكون سهلة ، وعليه مجابهة التحديات الراهنة والمستقبلية التي تواجه المقاولة المغربية في سياق مركب على المستويات الوطنية والقارية والدولية.

وأمام الرئيس الجديد ملفات مهمة يتعين عليه معالجتها، وتتعلق على الخصوص بتحسين مناخ الأعمال، والتفاوض من أجل السلم الاجتماعي، والإصلاحات الضريبية وآجال السداد والتعويض عن الضريبة عن القيمة المضافة ومواكبة المغرب في سياسته الإفريقية، معتمدا في ذلك على الخبرة التي راكمها خلال توليه مسؤولية تدبير الشأن العام لسنوات.

وإذا كان التغيير الذي حصل على مستوى قيادة الاتحاد العام لمقاولات المغرب قد أسال مدادا كثيرا، وأثار نقاشات عديدة داخل مجتمع الأعمال طيلة شهور، فالأمر سيان بالنسبة للمركز المالي للدار البيضاء الذي حصل على الرتبة الأولى إفريقيا حسب مؤشر "غلوبال فاينانشال سانترز"، وهو ما استأثر باهتمام المعلقين وأوساط المال والأعمال على الصعيدين الوطني والدولي.

ويسمح مؤشر "غلوبال فاينانشال سانترز"، بإجراء تصنيف للمراكز المالية بناء على معيار التنافسية، اعتمادا على 103 مؤشرات معتمدة من طرف البنك الدولي، والمنتدى الاقتصادي العالمي، والأمم المتحدة، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية.

ويستند المؤشر على نتائج التقييمات المهنية الدولية للمالية، التي تخرج بعد تحليل الإجابات المتضمنة في استمارة مقارنة مندمجة حول التحليل المقارن لأداء هذه المراكز عبر العالم، علما أن المجالات الرئيسية للتنافسية تهم مناخ الأعمال، ومستوى تطور القطاع المالي، والبنيات التحتية، والموارد البشرية.

فبعد حصوله على الرتبة 35 في 2017، نجح المركز المالي للدار البيضاء في تحقيق نتائج أفضل في 2018، بعد أن تقدم بثلاث درجات ليصبح في المركز 32، مما جعله من أفضل الأسواق المالية على المستوى القاري، متقدما على بورصة جوهانسبورغ (52) ، وليصير الثالث على مستوى منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط (مينا) بعد دبي وأبوظبي.

وإذا كان المركز المالي للدار البيضاء ما يزال يصنف من بين المراكز المالية الأكثر حساسية للاهتزازات التي تعرفها الأسواق المالية، بفعل حداثته، إلا أنه يستفيد من رأسمال ثقة مهم في عالم المال، مادام أنه يحتل المركز الخامس حسب مؤشر السمعة المعتمد من قبل تصنيف " غلوبال فاينانشال سانترز".

وينظر إلى المركز المالي الفتي "كمركز مالي أخضر"، وهو أحد الأعضاء المؤسسين وأول مركز إفريقي يلتحق بالشبكة الدولية للأسواق المالية الخضراء والتمويل المستدام، التي تم إطلاقها في نهاية شتنبر من العام 2017 بالدار البيضاء.

وفي هذا الإطار، قام المركز بالتوقيع على شراكات مع وكالات إنعاش الاستثمار ب 14 بلدا من القارة الإفريقية، وذلك بهدف ضمان مواكبة ناجعة لهذه البلدان الأعضاء في الشبكة.

وإلى جانب المركز المالي، تجتهد بورصة الدار البيضاء منذ عدة أشهر من أجل ضخ نفس جديد في سوق المال، ويعمل مسيروها على خلق دينامية قوية داخل هذه المؤسسة، من خلال تبني خارطة طريق لتحرير إمكانيات سوق الرساميل، أطلق عليها اسم "تطلع 2021".

ويهدف هذا المخطط، الذي يمتد على أربع سنوات، والذي يعبئ جميع الأطراف المعنية (سلطات الوصاية، هيئات المراقبة، ومهنيي السوق)، إلى تحقيق 3 أهداف رئيسية، تأسيس بنية تحتية فعالة من خلال مرور بورصة الدار البيضاء إلى مجموعة بورصوية، وإحداث غرفة مقاصة وشركة لتدبير معاملات العقود الآجلة، باستعمال منصة تكنولوجية متعددة المنتجات، وتتوفر على إطار متين للتسيير المندمج للأخطار، إلى جانب الإسهام بشكل أفضل في تمويل الاقتصاد الوطني .

وكان المدير العام للبورصة كريم حجي قد صرح، بمناسبة إطلاق هذا المخطط، أن "تطلع 2021" هو " مخطط سيتم قيادته عبر برنامج للتحول يقوم على حكامة واضحة وفعالة" مشيرا إلى أنه "يفتح طريق دينامية إيجابية تجمع جميع فاعلي المنظومة الاقتصادية للبورصة، معززة من خلال تفعيل هيئة سوق الرساميل، بغية تسريع تطور السوق المحلي للرساميل نحو كفاءة جماعية، وأيضا ضمان إشعاع وتألق البورصة على مستوى القارة الإفريقية وخارجها ".

وبفعل هذه الدينامية الجديدة، استطاعت بورصة الدار البيضاء أن تستقطب مجموعتين اقتصاديتين كبيرتين، ليتم إدراجهما في السوق المالية، أولها مجموعة (موتانديس)، المتخصصـة في تصنيع المـواد الاسـتهلاكية اليوميـة، والتي يرأسها عادل الدويري.

وبالنسبة للدويري، فإن ولوج البورصة جاء من أجل ضمان التمويـل المنتظـم للاسـتثمارات في المغـرب وإفريقيـا أو حتى أوروبـا، وتوسيع قاعدة المسـاهمين سـواء من العموم أو المؤسسـات، وخاصة في المغرب وإفريقيا، وتعزيـز سـمعة المجموعـة وتمكينهـا مـن الولـوج إلى التمويـل البنكـي أو السـندات في أفضـل الظـروف، مـع اعتمـاد حكامـة بأعلـى المعايـير الدوليـة.

فيما كانت المجموعة الثانية هي "إيمورانت آنفست" المتخصصة في مجال الاستثمار في العقار، والتي دشنت في شهر أبريل من العام الجاري أول ولوج إلى بورصة الدار البيضاء خلال 2018، بقيمة إجمالية بلغت 400 مليون درهم، وذلك بعد حصولها على تأشيرة هيئة أسواق الرأسمال.

وحسب الرئيس المدير العام للمجموعة، سمية التازي، فإن إدراج " إمورانت أنفست" في البورصة يشكل الخطوة الأولى في اتجاه تعزيز وجود العقار المهني المخصص للتأجير بهذه السوق المالية، والرفع من قيمة الرساميل لمواصلة برنامج الاستثمار لتصل إلى نحو 700 مليون درهم. 

المصدر: الدار – وم ع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

16 + 8 =

زر الذهاب إلى الأعلى