الدين والحياةسلايدر

باحث جامعي يرصد دور السياق في التأصيل للدراسات المستقبلية في الفكر الإسلامي

الدار/ خاص

أكد الأستاذ مولاي مصطفى الهند، أستاذ الفكر الإسلامي ومناهج البحث في جامعة الحسن الثاني المحمدية، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، أن ” الإسلام أكرم المجتهد وأنـزله منـزلة خليفة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، لتمكنه من الاستنباط انطلاقا من النص، وهذه ميزة تشريف وتكريم لعلماء الأمة، فاعملوا الوسع في أن تبقى الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان إدراكا منهم أن “الوقائع بين أشخاص الأناسي غير متناهية، والنصوص والأفعال متناهية، ومحال أن يتقابل ما لا يتناهى بما يتناهى”.

واشار عضور المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء، وهو يقتفي “دور السياق في التأصيل للدراسات المستقبلية في الفكر الإسلامي المعاصر”، الى أن “السياق عند أهل الاجتهاد، اعتبر أهم محددات دلالات النص في المجالات التشريعية وغير التشريعية، واعتبر هذا الأمر ملكة عندهم يقتدرون بها على الإجابة عن عدد من الأسئلة والنوازل والأقضية. بل إن تعاملهم مع نص الوحي كان من قبيل الذوق التفسيري كما أكد ذلك الإمام الزركشي حين قال: “معرفة مقامات الكلام لا تدرك إلا بالذوق”؛ ولعل هذا الذوق الرفيع هو الذي سماه الإمام ابن دقيق العيد بالطريق إلى معرفة الدلالات حين قال: “السياق طريق إلى بيان المجملات، وتعيين المحتملات، وتنـزيل الكلام على المقصود منه”.

وبغية تجلية دور السياق في التاصيل للدراسات المستقبلية في الفكر الاسلامي المعاصر، و ما يشتمل عليه السياق من قرائن وإفادات ودلالات، استشهد مولاي مصطفى الهند بحديث رسول الله، عليه الصلاة والسلام، الذي قال فيه: “إن الله زوى لي الأرض مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها”، مبرزا أن ” أهل العلم اعتبروا هذا الحديث من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فقد قال الإمام النووي: (وهذا الحديث فيه معجزات ظاهرة، وقد وقعت كلها بحمد الله كما أخبر به صلى الله عليه وسلم”.

واضاف عضو المجلس الأكاديمي للرابطة المحمدية للعلماء أنه اذا كان من الصعب الحديث عن الدراسات المستقبلية في الفكر الإسلامي القديم، فإن الفكر الإسلامي المعاصر يعتبر متجاوزا بشكل كبير من طرف الفكر الغربي الذي أسس لنفسه مشروعا علميا يقوم على الدراسات المستقبلية. وليس من العقل في شيء أن يظل الفكر الإسلامي المعاصر حبيس مواجهة التحديات المعاصرة فقط، ولكن عليه أن يبحث لنفسه عن منهج يتجاوز به هذه “المواجهة”، ويخرج من دائرة الدفاع عن النفس إلى دائرة التأثير وإعطاء المثال والنموذج الحي لما يجب أن تكون عليه الحضارة الإنسانية برمتها.

ولاحظ الأستاذ بكلية الآداب بالمحمدية أن ” الاهتمام بالدراسات المستقبلية قليل جدا في الفكر الإسلامي المعاصر، بل إن الأصوات التي ترتفع من حين لآخر للدعوة إلى هذا النوع من العلوم قليلة جدا، وتعد على رؤوس أصابع اليد الواحدة، وكأنها تدعو إلى ممارسة التنبؤ أو الكشف عن الغيب!! وإذا كانت هناك بعض الدراسات التي تناولت هذا الموضوع، فإن غاية ما في الأمر أنها محاولات خجولة، لا تتحدث عن “الدراسات المستقبلية” كعلم قائم بذاته، بقدر ما تتحدث عن محاولة التفكير في “استشراف” المستقبل!

ودعا مولاي مصطفى الهند إلى “تجاوز” هذه “المحاولة”، والدخول في “استشراف” المستقبل و”دراسته”، وهذا واضح من المعنى اللغوي الذي يزكي هذا الطرح ويعضده. فلسنا أمام تخيلات أو تهيؤات، وإنما نحن أمام اجتهاد علمي قائم بذاته قطع الباحثون فيه أشواطا ومراحل، واعتبره البعض منا ضربا من التيه والتخريف والجهل، مؤكدا على أن ” الأمة تحتاج إلى الانشغال بنطاق واسع من الأنشطة المستقبلية المحتملة والأقرب للوقوع والمرغوبة والممكنة، أو بعبارة أخرى التنبؤية والاختبارية والنقدية وذلك من خلال مؤسسات مثل منظمة المؤتمر الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية.

وشدد الأستاذ على ضرورة أن يدير المسلمون بحوثا عن الأبعاد الزمنية في الحضارة الإسلامية (على مستويات متنوعة: على المستوى الفردي ومستوى الجماعة والمجتمع العالمي)، والقيام بمسوح لتوقعات المستقبل والرغبات والاحتياجات ومقارنتها بمشاريع المسوح الأخرى، فضلا عن ضرورة أن تتضمن جهود تخيل المستقبل والتنبؤ به إثارة القضايا البازغة سواء لمعرفة كيف تخلق أنماط التفكير التقليدي أو معرفة نفعها في التنبؤ.

وخلص الدكتور مولاي مصطفى الهند الى التأكيد على أن الباحث في الفكر الإسلامي المعاصر، ملزم بالاهتمام بالدراسات المستقبلية واعتماده نظرا ابتساريا لتجاوز التحديات المعاصرة؛ أو بصيغة الحديث النبوي السالف الذكر، أن يزوي الباحث المسلم القضايا المستقبلية زيا حتى لا يكون عمله مكررا مرتين: فإذا كان من الضروري الآن مواجهة التحديات المعاصرة، فإنه ليس من الضروري أن تضيع جهود أخرى في مواجهة ثانية لتحديات أخرى كان من الممكن تجاوزها بناء على اعتماد نظرة استشرافية للمستقبل”.

وبهذا، يستطرد الدكتور : من الواجب على الباحثين والدارسين والمهتمين بقضايا الفكر الإسلامي المعاصر تخصيص فريقين للعمل في هذا الشأن: أحدهما يهتم بالتحديات المعاصرة: رصدا وتحليلا ومعالجة، ويواجهها بشتى السبل. والفريق الثاني يعمل على سن منهج واضح لتجاوز هذه التحديات والسير بالأمة العربية الإسلامية قدما نحو آفاق مستقبلية حضارية رفيعة”.

زر الذهاب إلى الأعلى