سلايدرمغرب

إسترجاع وادي الذهب ملحمة بيعة وإنتصار في مسار إستكمال الوحدة الترابية

بقلم / ذ/ الحسين بكار السباعي

تحل ذكرى إسترجاع إقليم وادي الذهب، في الرابع عشر من غشت من كل سنة، ولتعود بنا ذاكرة الوطن إلى ذلك اليوم المشهود من سنة 1979،يوم جسد محطة من المحطات المضيئة من مسار إستكمال الوحدة الترابية للمملكة المغربية، و أبان للعالم عمق الإرتباط التاريخي والوجداني للأقاليم الجنوبية بالعرش العلوي المجيد. فجاء إسترجاع إقليم واد الذهب تتويجا لمسيرة نضالية طويلة ضد الإستعمار الإسباني، وتجسيدا لإرادة راسخة لم تقهرها المؤامرات الإقليمية ولا المناورات الدولية.

سأعود بكم، الى أيام قبل هذا الحدث التاريخي الهام، حينما بلغ إلى علم الملك الراحل الحسن الثاني طيب الله ثراه، في الحادي عشر من غشت 1979، أن مؤامرة تحاك تحت شعار “تحرير وادي الذهب” تستهدف فرض أمر واقع قبل أن يرسخ المغرب سيادته على الإقليم، فتعامل رحمه الله مع الموقف برباطة جأش وحكمة سياسية نادرة،حينما أدرك أن الأمر يتجاوز مجرد تحرك عسكري للإنفصاليين، بل يندرج في سياق صراع جيوسياسي إقليمي ودولي، يتقاطع فيه طموح الجزائر إلى الهيمنة الإقليمية مع النزعة الثورية للقذافي، وكل ذلك على إيقاع الحرب الباردة التي جعلت من إفريقيا ساحة صراع بين المعسكرين الشرقي والغربي حينها.
و بخطاب هادئ لكنه حازم، وجه الحسن الثاني رسائل طمأنة لكل المغاربة الأحرار ، ودعوات للتعبئة الوطنية، مؤكدا أن القضية ليست مجرد نزاع حدود، بل مسألة وجود وهوية ووحدة وطنية. وعلى المستوى الدبلوماسي كثف طيب الله ثراه، الإتصالات مع الحلفاء التقليديين وفتح قنوات جديدة مع شركاء في إفريقيا والعالم العربي وأوروبا، لضمان غطاء سياسي واسع يقطع الطريق على أي محاولة لعزل المغرب دوليا. أما على الصعيد العسكري، فقد كانت القوات المسلحة الملكية في أعلى درجات الجاهزية والتأهب ، متمركزة بانتشار تكتيكي يقطع كل منفذ أمام أي إختراق، ومع إستعداد كامل للرد الحاسم دون الإنجرار إلى مواجهة مفتوحة.
فجاء الرابع عشر من غشت ليكون يوم البيعة التاريخية حين أعلن شيوخ وأعيان قبائل الصحراء المغربية بوادي الذهب، وفي مشهد مهيب بمدينة العيون، انضمامهم النهائي وغير المشروط للمغرب. لم يكن ذلك مجرد إجراء بروتوكولي، بل خطوة سياسية وقانونية رسخت شرعية المغرب على الإقليم أمام أنظار العالم، وأكدت أن الارتباط بين العرش والشعب في هذه الربوع لم تنفصم عراه قط.

إسترجاع واد الدهب لم يكن ضربة موجعة للبوليساريو فحسب، التي فقدت إلى الأبد منفذا استراتيجيا على المحيط الأطلسي، بل كان تثبيتا للعمق الجيوسياسي للمغرب وإعادة رسم لموازين القوى في المنطقة. فبعد أن كانت الجبهة تراهن على فرض الإنفصال ميدانيا، وجدت نفسها أمام جدار سياسي وعسكري صلب، مهد الطريق لاحقا لبناء الجدار الأمني بين 1981 و1987، وهو المشروع الذي أنهى عمليا قدرتها على المناورة.
اليوم نستحضر الذاكرة بعد مرور أكثر من أربعة عقود، ونقف وقفة عزة وشموخ على إنتصارات قضية صحرائنا بقيادة جلالة الملك محمد السادس نصره الله،والتي ترسخ ما حققه المغرب على الأرض من تنمية ونماء ، فقد تحولت مبادرة الحكم الذاتي إلى مرجعية أممية لحل النزاع، وحظيت باعتراف واسع، أبرزه إعتراف الولايات المتحدة الأمريكية بسيادة المغرب الكاملة على أقاليمه الجنوبية، ودعم فرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة والبرتغال، وإفتتاح أكثر من ثلاثين قنصلية في مدينتي العيون والداخلة، في رسالة سياسية لا لبس فيها على عمق التحول في المواقف الدولية. وفي الميدان، تشهد الأقاليم الجنوبية، وفي مقدمتها جهة الداخلةوادي الذهب، طفرة تنموية غير مسبوقة، تجسدها مشاريع إستراتيجية كبرى مثل ميناء الداخلة الأطلسي، وتعكس إرادة جعل الصحراء المغربية جسرا نحو العمق الإفريقي ومركزا اقتصاديا واعدا.

ختاما، إسترجاع إقليم واد الذهب ملحمة وطنية، نقف من خلالها على أن الوحدة الوطنية لا تصان إلا باليقظة الدائمة، والإلتحام بين قائد حكيم و إرادة شعب، وأن الرؤية الإستراتيجية وحسن تدبير التحالفات قادران على تحويل ميزان القوى مهما بدا مختلا في لحظة معينة، وأن التنمية المندمجة هي الحصن المنيع لترسيخ السيادة. إن استرجاع وادي الذهب لم يكن نهاية معركة، بل بداية لمسار طويل أثبت أن المغرب، حين يتعلق الأمر بوحدته الترابية، يملك من الصبر والحكمة والقوة ما يجعله دائما في موقع المبادرة والانتصار.

ذ/ الحسين بكار السباعي
محام وباحث في الهجرة وحقوق الإنسان
خبير في نزاع الصحراء المغربية

زر الذهاب إلى الأعلى