العفو الملكي على المدانين في قضايا الارهاب..المغرب “يتصالح” مع أبنائه
الدار/ خاص
بإصدار الملك محمد السادس، أمس الجمعة، عفوه على 8 نزيلات محكوم عليهن في قضايا إرهابية شاركن في الدورة الخامسة من برنامج “مصالحة”، بمناسبة تخليد ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، تكون التجربة المغربية في محاربة التطرف العنيف والارهاب قد أثبتت من جديد فعاليتها، وريادتها على المستوى القاري والعالمي.
والملفت في هذه التجربة هو أن الدولة المغربية بقيادة الملك محمد السادس، تفتح الباب على مصراعيه أمام المعتقلين، الذين أعلنوا عن مراجعة مواقفهم وتوجهاتهم الفكرية، ونبذهن للتطرف والارهاب بشكل رسمي، وتشبثهم بثوابت الأمة ومقدساتها، للاندماج من جديد في محيطهم الاجتماعي، علما بأن سنة 2020 ستعرف إطلاق النسخة الخامسة من البرنامج، وهي مخصصة للسجينات.
المصالحة مع الذات والنص والمجتمع
وقامت باعداد برنامج “مصالحة”، الموجه لفائدة نزلاء المؤسسات السجنية المدانين في إطار قضايا التطرف والإرهاب، المندوبية العامة لإدارة السجون واعادة الادماج، فيما بلورة منهجيته الرابطة المحمدية للعلماء، والمجلس الوطني لحقوق الإنسان، بمشاركة خبراء مختصين، وعلماء وسطاء ورواد من الرابطة.
برنامج “مصالحة”، الذي يروم مصالحة المدانين في قضايا الارهاب والتطرف مع أنفسهم، ومع النص الديني، ومع المجتمع، استكملت نسخته الأولى بنجاح خلال الفترة الممتدة ما بين 29 ماي و25 يوليو من لعام 2017 بسجن العرجات 1، واستفاد منه سجناء مدانون في ملفات الإرهاب والتطرف، يمثلون عينات من مختلف الاتجاهات الجهادية، المحكوم عليهم بعقوبات سجنية متفاوتة، وقد عبروا عن رغبة أكيدة في المشاركة في هذا البرنامج بشكل اختياري وعن طواعية.
ويستمد هذا البرنامج فلسفته من التوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تعزيز قيم المواطنة والتسامح والاعتدال، وإذكاء الإحساس بالمسؤولية المواطنة بين مختلف شرائح وفعاليات المجتمع المغربي. وكذا من حرص الملك محمد السادس على ضرورة إصلاح العدالة الجنائية بالمغرب، على أسس المواطنة والمحاسبة والمسؤولية والمساواة في الحقوق والواجبات والفرص؛ وذلك في إطار صون الكرامة الإنسانية للمواطنين السجناء التي لا تجردهم منها الأحكام القضائية السالبة للحرية.
وتندرج مقاربة المؤسسات الشريكة في هذا البرنامج في حوارها مع المعتقلين السلفيين في البعد المتعلق بالتأهيل الديني وما يتصل به على مستوى فهم واستيعاب النص الديني بالشكل الصحيح والمكرس لقيم التسامح والاعتدال بارتباط بالرؤى والقناعات ذات الصلة بتمثلات السجناء الجهاديين للمجتمع وللدولة وللعالم.
تأهيل للسجناء ومصاحبة نفسية
كما تركز على البعد الحقوقي والقانوني من حيث تأهيل السجناء على مستوى فهم واستيعاب وقبول الإطار القانوني المنظم لعلاقة الأفراد بالمجتمع وبالدولة وبضوابط النص القانوني، انطلاقا من جدلية الحقوق والواجبات.
ويعتمد البرنامج الموجه لفائدة المعتقلين الإسلاميين أيضاً، على البعد الخاص بالتأهيل والمصاحبة النفسيين باعتبار أن الفئة المعنية من السجناء تعيش تحولات على مستوى تمثل الذات خلال مراحل متوالية تبدأ بمرحلة ما قبل الاعتقال، مرورا بمرحلة المحاكمة، ثم مرحلة تنفيذ العقوبة السالبة للحرية بالمؤسسة السجنية.
وتستعين مندوبية السجون في برنامجها بعرض تسجيلات سمعية بصرية لشهادات بعض عائلات ضحايا الإرهاب، بهدف تحسيس المعتقلين بحجم الأذى الذي يُخلفه التطرف العنيف على استقرار المجتمع، وأمنه، علاوة على الضرر المباشر الذي يُصيب الضحايا، كما يتم الحرص خلال هذه المرحلة على تأمين المصاحبة النفسية، حتى لا يتم رفع حدة الشعور بالذنب إلى درجات مرضية قد تفسد عملية التعافي وتعديل السلوك”، كما توج “مصالحة” “بعقد مناظرة في شكل تمرين تجريبي يختبر مدى تملك السجناء تقنيات هدم وتفكيك الخطاب المتطرف”.
واتضح للجنة العلمية الوطنية التي أسندت إليها مهمة تنفيذ هذا البرنامج، “وجود تجاوب إيجابي لدى السجناء المستفيدين، وتطورا ملحوظا على مستوى تمثل الذات وفهم واستيعاب النص الديني ومقاربة القيم المجتمعية الصحيحة”.
الادماج السوسيو مهني
بعد الافراج عنهم ينخرط هؤلاء النزلاء من جديد في محيطهم الاجتماعي والمهني، اذ يستفيدون من الدعم الذي توفره مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، التي توفر لهم المصاحبة وإعادة الإدماج المهني بالأساس. ففي شهر نونبر الماضي، تم توزيع مشاريع مدرة للدخل لفائدة 12 من نزلاء المؤسسات السجنية السابقين ممن انخرطوا في برنامج مصالحة.
وجاء ذلك استرسالا لبرنامج دعم المشاريع الصغرى والتشغيل الذاتي لفائدة نزيلات ونزلاء المؤسسات السجنية السابقين برسم سنة 2019، والذي تفضل الملك محمد السادس، بإعطاء انطلاقته في شهر رمضان بتاريخ 27 ماي 2019 بمدينة الدار البيضاء.
و خصصت مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء لهذه الالتفاتة التي تقودها بمعية شركائها تحت الرئاسة الفعلية للملك محمد السادس، غلافا ماليا بقيمة 18ر262 564 درهم، وذلك تفعيلا لاستراتيجيتها المندمجة لإعادة الإدماج السوسيو-مهني.
وما ميز هذه المحطة، وفقا لـعبد الواحد جمالي الادريسي منسق مصالح مؤسسة محمد السادس لإعادة ادماج السجناء ورئيس غرفة بمحكمة النقض، أنها تهم بالأساس النزلاء السابقين الذين قضوا عقوبات سجنية بموجب قانون مكافحة الإرهاب، و شاركوا في برنامج مصالحة، رغبة في إعادة إدماج هذه الفئة في النسيجين الاجتماعي والاقتصادي ومصالحتهم مع النص الديني وذواتهم والمجتمع.
انطلاقة البرنامج الوطني لدعم المشاريع الصغرى والتشغيل الذاتي لفائدة السجناء السابقين، أعطيت انطلاقته شهر رمضان 2019 من طرف الملك محمد السادس بمدينة الدار البيضاء.
وسيستفيد من هذا البرنامج، الذي تنفذه مؤسسة محمد السادس لإعادة إدماج السجناء، والذي رصد له غلاف مالي إجمالي يفوق 13,5 مليون درهم (مقابل 8,1 مليون درهم برسم السنة الفارطة)، 478 سجينا سابقا ينحدرون من جهات الدار البيضاء سطات، والرباط سلا القنيطرة، ومراكش آسفي، والشرق، وفاس مكناس، وطنجة تطوان الحسيمة، والعيون الساقية الحمراء، وكلميم واد نون، وسوس ماسة، ودرعة تافيلالت.
ويوجد من بين المستفيدين من هذا البرنامج، 18 شخصا تمت إدانتهم في قضايا التطرف والإرهاب وشاركوا في برنامج “مصالحة” الرامي إلى إعادة إدماج هؤلاء السجناء، ومصالحتهم مع المجتمع.