مساع دبلوماسية أوروبية لإلزام إيران بالاتفاق النووي دون فرض عقوبات عليها
بدأت الدول الأوروبية الأطراف في الاتفاق النووي عملية دبلوماسية معقدة لإلزام طهران بالعودة إلى احترام تعهداتها النووية من دون فرض عقوبات جديدة عليها قد تقتل اتفاق فيينا المبرم عام 2015.
تحاول دول الأوروبية التوصل إلى اتفاق معقد من شأنه أن يلزم كل من طهران بالعودة إلى احترام تعهداتها النووية، والولايات المتحدة بعدم فرض عقوبات جديدة على إيران. فالعقوبات الأمريكية قد تقتل اتفاق فيينا المبرم عام 2015.
وباشرت فرنسا وبريطانيا وألمانيا آلية تسوية للخلافات ينص عليها الاتفاق، في حال انتهاك التعهدات.
طهران تحذر
من جهتها، حذرت إيران برلين ولندن وباريس من “عواقب قرارها”. وقالت الخارجية الإيرانية في بيان “بالطبع، إذا حاول الأوروبيون (…) إساءة استخدام (هذه الآلية)، فعليهم أن يكونوا أيضا مستعدين لتحمل العواقب، التي سبق أن قمنا بإخطارهم بها”.
وقال وزراء الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان والألماني هايكو ماس والبريطاني دومينيك راب في بيان مشترك “ليس لدينا خيار آخر نظرا للتدابير المتخذة من جانب إيران”.
وفي الخامس من يناير، كشفت طهران عن “المرحلة الخامسة والأخيرة” من برنامجها القاضي بالتخلي عن التزاماتها الدولية بشأن النووي، ردا على انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق في 2018 وإعادة فرض عقوبات أمريكية قاسية تخنق الاقتصاد الإيراني.
وقال الوزراء الأوروبيون إن “دولنا الثلاث لا تنضمّ إلى الحملة الهادفة إلى ممارسة ضغوط قصوى على إيران”، ملمحين بذلك إلى عدم رغبتهم في اتباع سياسة العقوبات التي تنتهجها الولايات المتحدة.
الأوروبيون لا يريدون تسريع الانتقال
وقد يؤدي إطلاق آلية تسوية الخلافات التي هددت بها باريس منذ أسابيع عدة، في نهاية المطاف إلى فرض عقوبات من جانب الأمم المتحدة.
إلا أن الأوروبيين لا يريدون “تسريع الانتقال” إلى عقوبات إنما ممارسة ضغوط على إيران لإنقاذ الاتفاق المبرم عام 2015 والذي يحدّ من برنامج إيران النووي، كما ذكرت مصادر في باريس.
من جهته، دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل المكلف بالإشراف على آلية تسوية النزاعات كل الدول المشاركة في الاتفاق بينها إيران، إلى الحفاظ على النص، معتبرا أن هذا الأمر “مهم اليوم أكثر من أي وقت مضى”.
رهان محفوف بالمخاطر
تقوم الدول الأوروبية الثلاث بفعل معاكس لما فعله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي دعاها إلى الانسحاب من الاتفاق وفرض عقوبات جديدة في الثامن من يناير بعد تصعيد عسكري بدأ باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني في غارة أمريكية في بغداد في الثالث من الشهر نفسه.
خلافا لذلك، تأمل باريس وبرلين ولندن في أن يأخذ المسار الدبلوماسي مجراه في الأزمة مع إيران، وهو رهان محفوف بالمخاطر وقد تعيقه أيضا المظاهرات الجديدة المناهضة للنظام في طهران.
وحذّرت المحللة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إيلي جيرانمايه في تغريدة من أن “ما يريدون طرحه على الطاولة مقابل تراجع إيران (عن تخليها عن التزاماتها)، ليس واضحا. قد يؤدي ذلك إلى مواصلة تقويض إطار الاتفاق النووي”.
سرعان ما جاء تصريح رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون لتعكير الأجواء، فقال إنه مستعدّ لاستبدال الاتفاق النووي المبرم عام 2015. وصرّح لشبكة “بي بي سي” أن “الرئيس ترامب مفاوض ممتاز (…) لنعمل معا من أجل استبدال (الاتفاق النووي) باتفاق ترامب”.
ورفض بوريل التعليق على موقف جونسون ونأى بنفسه عنه فقال “تلقيت رسالة من وزراء الخارجية الثلاثة. هذا هو إطار مرجعيّتي”.
واعتبر الخبير أليكس فاتانكا في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أن الأوروبيين لا يتمتعون بوزن سياسي “ثقيل جدا” وإضافة إلى ذلك هم منقسمون. ويتوقع أن يحصل “تقارب” بين جونسون وترامب.
ونجحت الإشارات التي بعثتها طهران في الأيام الأخيرة في تشجيع الحركة الدبلوماسية، بينما جعل الشعور الذي أثاره اغتيال سليماني، الجميع يخشون الأسوأ.
واختارت الجمهورية الإسلامية ردا متناسبا على مقتل سليماني وأطلقت للمرة الأولى صواريخ على قاعدتين في العراق تستضيفان جنوداً أمريكيين، من دون التسبب بسقوط ضحايا.
ماكرون مستعد
أقّرت طهران بأن الحرس الثوري الإيراني أسقط عن طريق الخطأ طائرة مدنية أوكرانية بعد بضع ساعات من استهداف القاعدتين العسكريتين في العراق، ما أدى إلى مقتل جميع ركابها البالغ عددهم 176.
ولا يزال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي حاول بدون جدوى تنظيم لقاء بين ترامب والرئيس الإيراني حسن روحاني في 2019 لإنقاذ الاتفاق النووي، مستعدا للقيام بالمساعي الحميدة.
وقال مصدر في وزارة الخارجية الفرنسية “نعتبر أن هذه المبادرة الفرنسية لم تفشل. ليس هناك بديل آخر (…) ليس هناك قائد آخر قادر في الوقت الراهن على التحدث مع الجميع وقول الأمر نفسه إلى الجميع”.
لكن هل الرئيس ترامب، القلق بشأن إعادة انتخابه، لا يزال يسعى لمصافحة نظيره الإيراني، ولو أمام عدسات الكاميرات فقط؟
يغيّر الغضب الذي أثاره تحطم طائرة البوينغ الأوكرانية في إيران، المعطيات على الأرجح.
وأوضح فاتانكا أن “ترامب قد يميل نظرا إلى الأحداث إلى تغيير في النظام، أن يقول ’في الواقع لا أريد التحدث إلى إيران، لقد غيّرت رأيي، سنرى ماذا سيحدث‘”.
ورأى الخبير في مؤسسة البحث الإستراتيجي في باريس فرانسوا هيسبورغ أن مجرد إعادة فرض الرئيس الأمريكي عقوبات على إيران، وهو ما تعتبره طهران خطا أحمر، هو “مؤشر سيئ جدا”.
المصدر: الدار ـ أ ف ب