جبل طارق.. غرفة الانتظار الصغيرة للحالمين بالهجرة
الدار/ رضا النهري
خلال سنوات طويلة من تمنع أبواب أوربا أمام المهاجرين القادمين من كل مكان، كانت جبل طارق بمثابة البوابة المنسية، التي لم يأبه الكثيرون بوجودها، لأسباب كثيرة، من بينها عزلتها الجغرافية ووضعها السياسي الغريب، وأيضا رقعتها الجغرافية الضيقة التي لا تكاد ترضي حتى سكانها القليلين.
لكن خلال السنوات القليلة الماضية، وخصوصا تلك التي تلت انضمام بريطانيا إلى بلدان الاتحاد الأوربي، انتبه البعض إلى أهمية هذه الصخرة المعزولة في تحقيق أحلام الكثيرين، حيث هاجر إليها الآلاف من مختلف مناطق العالم، عبر فيزا “شنغن”، ومنها انطلقوا نحو مختلف بلدان أوربا، أي أن هذه المستعمرة البريطانية لم تكن سوى قاعة انتظار.
التأشيرة الخاصة بجبل طارق ارتفعت قيمتها السوقية كثيرا في المدة الأخيرة، مع بدء إجراءات انفصال لندن عن الاتحاد الأوربي، وتأكيد خروج جبل طارق أيضا من أوربا، فيما عرف بـ”البريكست”.
لهذا السبب صارت التأشيرة إلى جبل طارق ثمينة جدا، وبما أنها تأشيرة مغمورة ولا يبذل محققو الاتحاد الأوربي جهودا كبيرا لتفحصها، فإن الآلاف من المهاجرين دخلوا الصخرة بتأشيرات مزورة، حيث تم القبض مؤخرا على أفراد شبكة تمتد ما بين المغرب وإسبانيا وجبل طارق، والتي تنجز تأشيرات مزورة يصل ثمنها قرابة عشرة آلاف أورو، لكن بعد أن استغلها عشرات الآلاف من المهاجرين الذي اتخذوا جبل طارق معبرا فقط للتوجه نحو بلدان أوربية عديدة، وفق ما ذكرته تفاصيل التحقيقات الأمنية في هذه القضية.
ومع اقتراب موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوربي، يبدو أن حلم المرور عبر جبل طارق نحو أوربا، بتأشيرة شنغن، سواء كانت حقيقية أو مزورة، صار حلما بعيد المنال، حيث يرتقب أن تعيد جبل طارق عقارب الساعة إلى الوراء، وتربط تأشيرتها مباشرة بالحكومة البريطانية الأم، والتي تضع قوانين خاصة بالتأشيرة، تشبه عبور خط بارليف في الحرب العالمية الثانية.
لكن في ظلمة هذه العتمة، يبقى بصيص أمل للحالمين بتأشيرة جبل طارق، حيث أعلن فابيان بيكاردو رئيس حكومة المستعمرة مؤخرا، أن إدارة هذه المنطقة البريطانية تدرس إمكانتية البقاء في منطقة شنغن لضمان سلاسة الحركة على حدودها مع إسبانيا بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
لكن، إلى حد الآن، فإن كل شيء يتعلق بمسار المفاوضات، وإذا استطاع بوريس جونسون إقناع حكومة الصخرة، المتمتعة بهامش من الحكم الذاتي، بموقفه المتشدد، فإن جبل طارق ستتحول إلى قفل عصي في أقصى جنوب أوربا.