صلاح الكومري
في مثل هذا اليوم، 22 يناير، من سنة 1980، توفي مصطفى شكري، الملقب بـ”بيتشو”، اللاعب السابق للرجاء والوداد الرياضيين، في ظروف غامضة في المملكة العربية السعودية، حيث كان محترفا في فريق الوحدة.
بيتشو، المزداد في 1947، أحد أساطير كرة القدم المغربية، مازال كثيرون يعتبرون وفاته في مدينة جدة، غامضة، تشوبها الكثير من التفاصيل غير المعلنة، أو بالأحرى تفاصيل “خفية” سبق لشقيقه كمال أن كشف عن بعضها في برنامج حواري، وقال إن الراحل لم يكن يوما يعاني أي مرض، بل كان كثيرون من أبناء حيه في “درب الكرلوطي” في الدار البيضاء، حيث كان يقيم مع جدته، يغيرون من صحته وقدرته على خوض مباراتين أو ثلاث في يوم واحد، فأحيانا، كان يخوض مباراة مع فريقه الوداد، ثم يعود للحي لمشاركة رفاقه “ولاد الدرب” في مباراة استعراضية تجرى على أرضية “الحمري”.
يحتفظ أنصار الوداد الرياضي بذكرى بارزة للمرحوم بيتشو، لا يمكنهم أن ينسوها مهما طال الزمان، وذلك حين تقدم إلى تنفيذ ركلة جزاء في “الديربي” البيضاوي الشهير لسنة 1978، وقتها، كان الوداد الرياضي متقدم بثلاثة أهداف لصفر، ومع بداية الشوط الثاني، أعلن الحكم عن ضربة جزاء لصالح الفريق الأحمر، تقدم لها الراحل من أجل تسديدها، هذا في الوقت الذي كان فيه لاعبو الرجاء البيضاوي يعبّرون عن امتعاضهم من قرار ضربة الجزاء، ويتجهون إلى مغادرة الملعب، رافضين إتمام المباراة.
أمسك بيتشو الكرة ووضعها في منطقة الجزاء وجلس يربط حذاءه، في انتظار عودة لاعبي الرجاء لتسديد ركلة جزاء لم يكتب له أن يسددها، فبقيت تلك الصورة، وهو في انتظار تسديد الركلة، عالقة في أذهان البيضاويين، وجسدها أنصار الوداد الرياضي في “تيفو” عملاق خلال مباراة “الديربي” في الثاني من نونبر 2019، برسم ذهاب ثمن نهائي كأس محمد السادس للأندية.
عبد الرزاق مكوار، الرئيس السابق للوداد الرياضي، أول من تلقى خبر وفاة مصطفى شكري في 22 يناير 1980، فتوجه مباشرة إلى منزل والده في شارع إبراهيم الروداني، في حي المعاريف في الدار البيضاء، طلب منه مرافقته لاحتساء فنجان قهوة، في إحدى مقاهي الحي، حيث قال له “بيتشو الله يرحمو..الباركة في راسكم”.
كان ذاك اليوم ثلاثاء، وفي اليوم الموالي (الأربعاء)، كانت هناك رحلة مبرمجة إلى السعودية، فقرر الراحل عبد الرزاق مكوار التكفل شخصيا بإجراءات سفر كمال إلى السعودية لمعاينة جثة شقيقه، بحيث تنقل إلى الرباط ليلا، وبحكم علاقاته الديبلوماسية، استطاع أن يظفر بختم تأشيرة دخول كمال إلى الأراضي السعودية.
يقول كمال شكري، حول ظروف وفاة شقيقه، إنه التقى مسؤولي الفريق في مطار جدة، حيث قدموا له التعازي، وأخبروه أن الوفاة كانت نتيجة سكتة قلبية، بداعي أن الراحل كان يعاني مرض السرطان، فتفاجأ لهذه الحكاية، فالراحل، على مدار لعبه في الرجاء أو الوداد كان في صحة جيدة لا يعني إلا التهاب اللوزتين بين الفترة الأخرى.
حل كمال شكري، السنة الماضية ضيفا على قناة “تيلي ماروك”، وكشف، لأول مرة، معطيات اعتبرها كثيرون خطيرة حول وفاة “بيتشو”، قال إنه حين وصل إلى السعودية، وجد في استقباله مسؤولي فريق الوحدة، أخذوه إلى الفندق، حيث التقى بمسؤولين آخرين كانوا في انتظاره، قال إن بعضا من المسؤولين أخبروه، في البداية، أن الراحل توفي بعدما أجرى العملية الجراحية، بينما قال له آخرون، إن الراحل لم يجري أي عملية، بل مات نتيجة سكتة قلبية، وهنا بدأت الشكوك تراود كمال.
يقول كمال في هذا السياق: “قدموا لي ورقة، كتب عليها إن الراحل توفي نتيجة سكتة قلبية ولا تظهر عليه أي آثار للعنف، وطلبوا مني التوقيع عليها، لكني رفضت، اشترطت أن أراه أولا، فاعترضوا، في البداية، قالوا لي إن الساعة الآن منتصف الليل، وأنت متعب من السفر وتحتاج إلى الراحة، قلت لهم لا مشكل عندي في الأمر، هذا شقيقي ولن أرتاح إلا حين أرى جثته، وبالفعل، أخذوني إلى مستشفى بخش في مدينة جدة، واطلعت على جثته، عاينتها معاينة دقيقة، وبالفعل، لم يكن عليها أي آثار للعنف”.
قبل وفاته بأيام، اتصل “بيتشو” بوالده وطلب منه أن يبعث له بعضا من المال، لأنه يريد العودة إلى المغرب، وحين سأله عن السبب، قال له إنه مريض ويريد أن يرتاح، في هذا الوقت، كان مسؤولو الوحدة قد سحبوا منه جواز السفر، بعدما بلغ إلى علمهم، عن طريق طبيب الفريق، أن الراحل يريد العودة إلى المغرب، وبعد أيام، أعلنوا وفاته.
يقول الراحل عبد الرزاق مكوار، الرئيس السابق للوداد الرياضي، والأب الروحي لأنصار الفريق، إن بيتشو “كان رجلا عظيما من كل النواحي”، موضحا: “شخصيا، كان يعجبني بيتشو كلاعب، بغض النظر عن كوني كنت رئيسا للفريق، ثانيا، حين تقربت منه وتحدثت معه، وجدت فيه إنسانا عظيما بكل ما تحمل الكلمة من معنى”.
مهما تظهر من تفاصيل وحقائق، ستبقى وفاة محمد شكري لغزا محيرا في الوسط الرياضي، فالرجل، كما لم يعش حياة عادية، لم يمت ميتة عادية أيضا.