العلاج النفسي بالواقع الافتراضي.. فعّال لكن يهدد المرضى
يعاني نحو 450 مليون شخص حول العالم من القلق والاكتئاب، وتزداد معدلات الإصابة بالاضطرابات النفسية والأمراض العقلية، فعلى سبيل المثال واحد من بين كل خمسة أمريكيين يعاني المرض النفسي. وبالجملة، فوفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن واحدًا من بين كل أربعة أشخاص حول العالم، سيتأثر بالاضطرابات النفسية والعقلية في مرحلة ما من حياته.
في المقابل، لا يصل العلاج ولا الأشكال الأخرى من الرعاية الصحية النفسية والعقلية، بأنواعها، لعدد كبير من الناس حول العالم، إما بسبب ارتفاع التكاليف أو لعدم وجود تأمين أو غير ذلك من القيود التي قد تستلزم أحيانًا طرقًا مبتكرة للعلاج، مثل العلاج عن بعد!
على سبيل المثال، يعيش نحو سبعة ملايين نسمة في المناطق الريفية والنائية بأستراليا، ولا يستطيع كثيرون منهم الوصول إلى استشارة طبية وجهًا لوجه، وقد يضطرون للسفر مسافات طويلة للحصول على ذلك، كما أن طرق العلاج عن بعد، المنتشرة حاليًا باستخدام برامج مثل سكايب أو فيس تايم، ليست فعالة بالدرجة الكافية، وغالبًا ما يكون المرضى غير متحمسين لها، كما أن جلسات الهاتف تفتقر لنقل الإشارات التعبيرية غير اللفظية، المهمة.
لذلك، تقدم تقنيات الواقع الافتراضي نفسها بديلًا مناسبًا جدًا لهذه الحالات، إذ يمكنها أن توفر العلاج لغير القادرين على الحصول على الاستشارة الطبية وجهًا لوجه، كما أنها أكثر فاعلية من طرق التواصل عن بعد التقليدية عبر الهاتف أو برامج مثل سكايب.
هذا وقد أثبتت دراسات أنه يمكن للواقع الافتراضي أن يخفف من بعض أنواع الرهاب، ويعالج اضطرابات ما بعد الصدمة، وجنون العظمة، واضطرابات القلق. ووفقًا للتقديرات، ستبلغ قيمة سوق الصحة الرقمية أكثر من 500 مليار دولار بحلول عام 2025، خاصة مع توافر خدمات العلاج الرقمي وانخفاض تكلفتها.
هذا وقد أصبح العلاج بالواقع الافتراضي أكثر انتشارًا من ذي قبل، ما يعني أن الطلب على المصممين والمطورين سيرتفع، فالثورة التكنولوجية الصحية قادمة وستعتمد على المصممين والمطورين جنبًا إلى جنب مع الباحثين العلميين والأطباء.
كيف يعمل العلاج النفسي بالواقع الافتراضي؟
لا يقتصر استخدام تقنيات الواقع الافتراضي على العلاج فحسب، بل تستخدم في التشخيص والمشورة وإعادة التأهيل، إلى جانب تصميم المستشفيات والمراكز الصحية. ويمكن استخدام هذه التقنيات في التعليم في المدارس الطبية، حيث يمكن للطلاب التفاعل مع مرضى افتراضيين وإجراء العمليات الجراحية في بيئة آمنة يمكن التحكم فيها، وارتكاب الأخطاء دون مجازفة والتعلم منها.
وتستخدم محاكاة الواقع الافتراضي في علاج أنواع متعددة من الرهاب أو الفوبيا، فعلى سبيل المثال يستطيع محاكي الواقع الافتراضي تقليد المعالم والأصوات وشعور الطيران. ولإكمال التجربة توضع مقاعد طائرة ونظام مضخم للصوت، ما يمكن المريض حينها من مواجهة ما يسبب له القلق والخوف، وجهًا لوجه، في بيئة مُسيطر عليها.
ويطور المصممون تجارب أكثر تعقيدًا لمساعدة الناس في التغلب على جميع أنواع الاضطرابات النفسية، بداية من القلق الاجتماعي وحتى الذهان مرورًا باضطرابات ما بعد الصدمة. كما يستخدم الواقع الافتراضي في إعادة التأهيل المعرفي لمساعدة البالغين أو الأطفال المصابين بالتوحد على تطوير المهارات اللازمة للاستقلال، مثل كيفية عبور الطريق.
كذلك يمكن من خلال قياس الاستجابات الفسيولوجية، مثل معدل ضربات القلب وعضلات الوجه والنشاط الكهربائي والتنفس؛ تحديد فكرة أفضل عما يخلق الخوف، ومن ثم توفير علاج فعال. على سبيل المثال: يمكن الجمع ما بين استخدام القياسات الحيوية والواقع الافتراضي في علاج الإدمان، ومن ثم استنباط الرغبة والاستجابة للعلاج.
وهكذا يوفر الواقع الافتراضي تجربة جديدة للمرضى، وأكثر شمولية، فسماعات الرأس الواقعية ونظارات الواقع الافتراض، توفر عمليات محاكاة مرئية متقدمة، لا تستطيع النماذج التقليدية للعلاج استخدامها.
تشخيص الواقع الافتراضي أكثر دقة
يرى الباحثون أن التشخيص باستخدام الواقع الافتراضي يمكن أن يكون أكثر دقة في أمراض مثل ألزهايمر، وذلك لأنه يعتمد بدرجة أقل على ذاكرة المريض (تحيز التذكر)، وتفسير الطبيب (تحيز المقابلة). كما يمكن أن يصبح أرخص في تشخيص الأمراض العقلية، مع الانخفاض المستمر في كلفة أجهزة الواقع الافتراضي، وسهولة استخدامها.
هذا وتشير النتائج الأولية إلى قبول ورضا كبير بين المرضى لإدراج الواقع الافتراضي في علاجهم. وفي الحقيقة فإن استخدام تقنيات الواقع الافتراضي ليس أمرًا جديدًا جدًا، بل يرجع للتسعينات، حيث كان استخدامه شائعًا نسبيًا في علاج القلق والاكتئاب، كما استخدمته الجيوش لمعالجة الجنود وقدامى المحاربين من اضطراب ما بعد الصدمة.
ووجدت دراسة أن استخدام الواقع الافتراضي وحده كان بنفس فاعلية الجمع بين العلاج الدوائي والعلاج بالواقع الافتراضي، بل إن بعض الأدوية كان لها تأثير سلبي.
ومع أن الخيارات المتاحة قد تكون مكلفة بعض الشيء، إلا أن هناك بعض التطبيقات على الهواتف المحمولة توفر واقعًا افتراضيًا في المنزل بأسعار معقولة. ومع استمرار تطوير هذه الصناعة ستزداد الخيارات المتاحة للأفراد بغض النظر عن موقعهم من طيف القلق والاكتئاب. ومع توافر نظارات الواقع الافتراضي بسعر معقول، هناك فرصة متزايدة لجعل علاج الصحة العقلية لا مركزيًا ومتاح أكثر للناس للاستفادة.
تحديات ومخاوف
تمثل الفجوة بين المطورين والمصممين من جهة ومقدمي الرعاية الصحية من جهة أخرى، أبرز تحديات العلاج بأجهزة الواقع الافتراضي، إذ عادة ما يطور المصممون تطبيقاتهم من خلال ما يخبرهم به المستخدمون العاديون، وليس مقدمي الرعاية الصحية، لذا يفتقر المصممون للخبرة الطبية والتجريبية. ومن جهة أخرى، فقد يثبت المستخدم التطبيق، لكن لا يستخدمه سوى مرة واحدة فقط.
من المخاوف الواردة أيضًا فيما يخص العلاج بتقنيات الواقع الافتراضي، سوء استخدام البيانات الشخصية، ولا يقصد هنا بالمعلومات مثل البطاقة الائتمانية أو سجل الشراء أو نشاط المستخدم على السوشيال ميديا، وإنما المعلومات عن مشاعر المستخدم وسلوكه وتشخصيه الصحي.
مما يُخشى منه أيضًا، أن المرور بتجارب وهمية عبر تقنيات الواقع الافتراضي، يمكن أن تجعل من الصعب على الأشخاص التفرقة بين الواقع والخيال، إلى جانب التأثير العميق على السلوكيات والآراء والقرارات.
هذا ويمكن أن يؤدي الإفراط في استخدام تقنيات الواقع الافتراضي إلى إدمانها، ما يمكن أن يؤثر بشكل كبير على الصحة العقلية الونفسية وتوسيع الفجوة بين الواقع وبين تخيل أو توهم ما يمكن أن تكون عليه الحياة.
المصدر: الدار- وكالات