تحليل إخباري: المغرب واستراتيجية محاربة التطرف
الدار/ سعيد المرابط
لا تزال جريمة إيمليل، وإلم يتبناها تنظيم “داعش” الإرهابي، تجثم على الرأي العام المغربي، بكل ثقل الهجوم الإرهابي الذي وقع يوم الإثنين من الأسبوع الماضي، على يد أربعة (جهاديين)، مزعومين ضد اثنتين من السياح الاسكندنافيين، اللتين قطعت رقابهنا في خيمة حيث أمضوا الليل.
وإذ تنفي السلطات علاقة الجريمة، بأي تنظيم، مؤكدة إنه تم إضعافها في البلاد من الناحية المؤسسية، إلا أن الجريمة، تثبت أن أفكار التطرف، تواصل تداولها وجذب الشباب إليها.
وإلى حد الآن، حسب تسلسل كرونولوجيا الهجمات الإرهابية في المغرب، فقد نفذت الهجمات بالطريقة الكلاسيكية، انفجار انتحاري أو قنابل كما حدث في العام 2011 بمقهى شعبي في قلب مدينة مراكش.
وتتخذ جريمة إمليل السياحية، خطوة أخرى في الأسلوب المستخدم، الذي يستدعي مشاهد تنظيم “داعش”، في سوريا أو العراق، وإن كان بطريقة مبتدئة؛ حيث يتم القتل بسكين، ذبح الضحية وتسجيل ذلك، ليتحول في وقت لاحق إلى الشبكات الاجتماعية، بهدف التخويف والتأثير على سيكولوجية المجتمع.
تجاوز الحدود
يقع الإرهاب الجهادي الجديد فوق الجغرافيا، ويتغلب على الحدود المادية على الرغم من وجودها، وبهذه الطريقة، يعيد الفرد تحديد المكان الذي ينتقل فيه، والذي لا يمكن منعه باستخدام وسائل الأمن التقليدي، وفي هذه الحالة، هناك حاجة إلى الكثير من الوقاية ، كحملات تحسيسية للمواطن، للتبليغ عن خطر محتمل، ففي السنوات الثلاث الماضية فقط، تم إحباط حوالي 150 محاولة هجوم إرهابي في المغرب، من خلال آليات الاستخبارات، وأجهزة الأمن، ثم إن الأشخاص الذين حاولوا ارتكاب هذه الهجمات، في معظم الحالات، هم من الشباب ذوي الملامح المتشابهة، التي تتسم بالأمية، أو سياقات عائلية غير منظمة أو بدون موارد، وعلى استعداد للتغذية على دعاية التطرف العنيف لخدمة الجهاد، بل إنهم لا ينتمون إلى أوامر محددة، بل هم ذئاب وحيدة يمكن أن تشكل خلايا صغيرة بين الأصدقاء، تجذبهم صور الجهاديين التي ينظرون إليها كمتمرد ثوري يدافع عن المساواة بين الآخرين.
منع التطرف
أنشأت الرابطة المحمدية للعلماء، التي قام الملك محمد السادس بإصلاحها مؤخرًا، في السنوات الأخيرة بـ25 وحدة و16 مركزًا للتحري والعمل ضد التطرف الديني. وتعمل الدولة بشكل استباقي ضد المتطرفين داخل السجون وخارجها.
إذ تقوم مديرية السجون بتدريب مسؤولي السجون، كما أن متطرفين سابقين يقضون عقوباتهم، يعملون على توعية المعتقلين الآخرين، وقد تم تم العفو عن بعض منهم، ويعملون حاليا في مدن مختلفة من البلاد لطرد الأفكار الخاطئة، كالحرب المقدسة وثني الشباب الآخرين عن التجنيد في المنظمات الإجرامية.
وقد تم نشر استراتيجية صارمة في جميع أنحاء المغرب، وصارت مراكز الاعتقال مهيئة للخدمة المدنية، منذ مارس 2016 حتى يناير 2018، عبر توعية أكثر من 22 ألف شخص، يقضون أحكاما بالسجن على خلفية الدعوة إلى الإرهاب، أو لهم أفكار جهادية أو بسبب المشاركة في عمليات استقطاب مغاربة نحو الجماعات الجهادية المتطرفة.
كما يمنع المغرب التطرف من خلال تفصيل الخطابات المسجلة على أشرطة فيديو لعلماء الدين، الذين يغمرون الشبكات الاجتماعية في البلاد لمواجهة التطرف، وقد تم بالفعل نشر سبعة كتب على شبكة الإنترنت، يمكن للجميع الوصول إليها من أجل توضيح المفاهيم ومحاربة هذه الراديكالية الدينية.
طريقة أخرى لفهم الدين
يواجه المغرب التطرف العنيف بمشروع جديد بدأ في تقييمه، مركز تدريب ديني يرحب بالعلماء والمرشدات (النسخة الأنثوية من علماء الإسلام) لمنطقة غرب إفريقيا والساحل الذي يجتمع منذ ثلاث سنوات، في معهد محمد السادس، الذي يهدف إلى منع الأفكار المتطرفة وتلقيحها، وهو جزء من الديبلوماسية الدينية الجديدة للملك محمد السادس، واستراتيجية السياسة الخارجية الأخيرة التي تحولت إلى إفريقيا جنوب الصحراء.
وحسب ما استقته “الدار”، فهو معهد لتعليم القيم الدينية من مدرسة الإسلام السني المالكي المعتدل، يرنوا إلى تغطية المنطقة المغاربية بأكملها، وهذا ما يؤكده تصريح المدير السابق لمكتب وزارة الشؤون الإسلامية في المغرب، لصحيفة “إِلْ بيريوديكو” الإسبانية، والذي أعرب عن قلقه من أزمة “عبور معين” للمتطرفين، مؤكداً أن “هذا البلد لا يترك الباب مفتوحا أمام الأفكار المتطرفة”.
ويبدوا هذا هدفا ساميا في جوهره، برؤية موحدة للإسلام، بين الأئمة والعلماء في إفريقيا ومنطقة الساحل، ومعظمهم من الشباب للغاية، الذين يحتاجون تصحيح للتأويلات، وتفسير النصوص بعيدا عن الفكر المتطرف، عبر المتمسك بالدين، بعيداً عن الأيديولوجية التي جاءت بها الجماعات المتطرفة، التي انتشرت بدون فرامل في البلدان ذات الاقتصادات الفقيرة في أفريقيا وجنوب الصحراء، التي كان النموذج الديني الصوفي سائدا دائما في في مجتمعاتها، والذي يعتبر الوجه الأملس للإسلام.
وليست المشكلة في الدين، بل في مستقبل الأيديولوجيات الذي يثير المخاوف، لا سيما حين يتغلغل في الطبقة السياسية، والمجتمع المدني عبرها بصفة عامة، فحينها لن تكون الإجراءات الأمنية وحدها ذات نفعا، لأن جهودها لن تصل غايتها إلا بعد خراب مالطة.