الرأيالمواطنسلايدر

هل بدأ المغرب إعادة ترتيب أولوياته التنموية؟

أعلن رئيس الحكومة سعد الدين العثماني اليوم خلال انعقاد المجلس الحكومي بالرباط عن عملية تأهيل واسعة للمستشفيات لتدعيم الطاقة السريرية للإنعاش والمقدرة حاليا بـ1640 سرير، والتي من المنتظر أن ترتفع في الأسابيع المقبلة، نتيجة اقتناء عدد من تجهيزات التنفس الاصطناعي، إلى حوالي 3000 سرير. وذكر رئيس الحكومة أن التوجيهات الملكية تقضي بأن تقوم السلطات الصحية بأقصى ما تستطيع لمواجهة آثار انتشار فيروس كورونا.

وأضاف العثماني أنه بالموازاة مع هذا المجهود لتوفير التجهيزات الضرورية، فإن الاستعدادات، من قبل الطاقم الطبي والمسؤولين في وزارة الصحة، مستمرة لمواجهة مختلف الاحتمالات. وذكّر العثماني، بطبيعة تحدي المرحلة التي يعيشها المغرب، على غرار باقي دول العالم بسبب تفشي وباء فيروس كورونا “كوفيد-19″، معتبرا أنها مرحلة غير طبيعية وغير مسبوقة دوليا وإقليميا ووطنيا.

ويكشف هذا الإجراء الجديد الذي اتخذته الحكومة وسيكلف استثمارات ضخمة أن المغرب يتجه فعليا نحو إعادة ترتيب أولوياته. فلأول مرة يعرف القطاع الصحي في المغرب إنفاقا بهذا الحجم الهائل، ومشروعا بهذا المستوى الواسع النطاق. صحيح أن هذا الإجراء يعتبر استثنائيا بسبب الإكراهات التي فرضتها أزمة تفشي فيروس كورونا، إلا أن مغرب ما بعد كورونا سيتأثر كثيرا بتداعيات هذه الأزمة التي لا تزال في بداياتها.

وقد كشفت أزمة تفشي فيروس كورونا هزالة وضعف البنيات الصحية على مستوى الإنعاش. وبينما تقوم الأطر الطبية والشبه طبية بجهود خارقة لاحتواء الفيروس والحد من انتشاره، تطرح مسألة الخصاص في التجهيزات الطبية وضعف الطاقة الاستيعابية للأسرة تحديا كبيرا يهدد بإفشال كل جهود التنسيق والتحضير التي بذلها منذ البداية. ويأتي تحدي فيروس كورونا بتزامن مع سياق خاص كان المغرب يستعد فيه لإطلاق نموذج تنموي جديد. وكان الملك محمد السادس قد عين في دجنبر الماضي أعضاء اللجنة الخاصة بالنموج التنموي وكلفها بأن ترفع إليه بحلول الصيف المقبل، التعديلات الكبرى المأمولة والمبادرات الملموسة الكفيلة بتحيين وتجديد النموذج التنموي الوطني.

ومن الواضح أن الأولويات الاجتماعية وعلى رأسها الصحة والتعليم أصبحت تفرض نفسها بعد أن تبين بالملموس حجم الخصاص الهائل الذي يعرفه هذا المجالان الاجتماعيان الحيويان. ومن المرتقب أن تنعكس مسألة إعادة ترتيب الأولويات على السياسات العامة للحكومة التي توجهت في السنوات الأخيرة نحو تقليص النفقات العمومية ورفع الدعم عن المواد الأساسية، وتكريس نموذج التعاقد في التوظيف سعيا وراء التخفيف من العجز المزمن في الميزانية. وبالموازاة مع هذه الإجراءات توجهت الحكومة أيضا نحو تعويم العملة الوطنية والانفتاح أكثر على الأسواق الدولية، ومصادر التمويل الخارجية حيث عرفت المديونية ارتفاعا كبيرا في الأعوام الأخيرة.

وفي سياق هذه الهزة التي تعيشها العولمة الاقتصادية بسبب الإغلاق التام للحدود وتوقيف التبادل بين مختلف بلدان العالم، فقد بات واضحا للعيان أن المراهنة على الأسواق الخارجية والتمويل الدولي، والخضوع للسياسات المالية التي يفرضها البنك الدولي لن يكون خيارا جيدا في المستقبل. ولعل من حسنات انتشار وباء كورونا أن يفتح نقاشا عموميا وطنيا حول الأولويات التي ينبغي الانكباب عليها في المرحلة المقبلة بعد تخطي هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة.

زر الذهاب إلى الأعلى