الدار / مريم معاد
في ظل ما تعرفه بلادنا والعالم أجمع من تحديات مصيرية فرضها الانتشار المهول لفيروس كورونا، ما عاد من معنى لننكأ جراحنا، سواء بالقول إن مستشفياتنا بخير، أو إنها مريضة، لأن ما هو مطروح اليوم، هنا والآن، هو الانخراط الجماعي في رفع رهان مواجهة هذا الوباء، الذي خلخل حياتنا بعنف، وقتل العشرات من مواطناتنا ومواطنينا، وأدخلنا في “جحورنا” تحت طائلة الرعب من تمدده وتسرطنه، إذ بات يهددنا بأن ينشر بيننا رائحة الموت…
في هذا التحول الفجائي والعنيف في حياتنا، نتفاجا ممن يخرج من جُنبنا ليطعن في جنود اليوم الذين باتوا يتصدرون، بكل تضحية ونكران الذات، الجبهات الأمامية في كل مناحي المواجهات المرعبة مع فيروس فتاك في معركة ضارية ينشر فيها كورونا الموت فيما يزرع جنودنا الحياة، جنودنا الأشاوس الذين لم يترددوا ولم يجبنوا ولم يهربوا ولم يتخلفوا عن رص جبهة الدفاع عن الحياة، من الأطر الطبية والشبه الطبية مع كل مساعديهم..
لنقلها ودون أدنى مبالغة: إنها معركة بين الحياة والموت!
وما يؤلم ويفرم فينا جميعا اللحم والروح والأعصاب، هو هؤلاء الخارجون من جُنوبنا، المتعيشون من معاركنا، تماما مثل كل تجار الموت والحروب، ليخرجوا بكتابات ومنشورات وفيديوهات تيئيسية تبئيسية، تلعب على المشاعر بانتقاد كل شيء، من الأوضاع في المؤسسات الاستشفائية، إلى المس بكفاءة وجهود وتضحيات الأطر الصحية…
يا تجار الحروب البئيسة، لو تعلمون ما يقاسيه كل جندي وجندية من هؤلاء الأطر الطبية المتموقعة في المتاريس الأمامية، وجها لوجه مع رائحة الموت، التي يحملها معه هذا الفيروس القاتل المدمر، الذي مهما بلغت درجة الوقاية منه، يمكن أن يتسلل إليكم ويستوطنكم في أية لحظة… لو تعلمون شيئا فقط عن ضعف الآليات في مستشفياتنا، وقلة الأطر الطبية، وخطورة العدوى. لو تعلمون حالة هؤلاء الجنود مع ظروف الاشتغال القاسية: قلة النوم، أو نوم مضطرب في “الكولوارات”، ليالي بيضاء تتاجوز 48 ساعة، عناء متواصل، تركوا أسرهم، آاءهم وأمهاتهم وأبناءهم وإخوتهم من أجلك أنت وهو وهي، من أجلنا جميعا، من أجل كل هذا الوطن وكل هؤلاء المواطنين، أحيانا تكاد تلمس كيف بلغ منهم الإجهاد مبلغه، ويتحاملون على أنفسهم وهم يتحملون، مرات، وابلا من السب والشتم المجانيين، ومن صراخ بعض المواطنين في وجوههم…
برغم هذه الظروف القاسية، لا يكف هؤلاء الجنود عن مواجهة الألم بصناعة الأمل ويصبغون أحزانهم المكينة والدفينة بالابتسامة والملامح والكلمات الطيبة، ليستحقوا، عن جدارة واستحقاق، وسام وصفهم بملائكة الرحمة. دون أن ننسى أنه في كل هذا الخضم إنهاكات الحياة الزوجية والعائلية لبعض هؤلاء الأطر الطبية، من قبيل زوجة غير متفهمة، أو والد مريض، أو والدة منهكة، أو أبناء قد لا يتفهمون أحيانا لماذا يستأثر المرضى بأوقات وجهد يعتبرونه من حقهم هم أولا…
وحتى نكون منصفين، فهناك، في المقابل، نساء تُرفع لهن القبعات في دعم ومساندة الشريك، إذ يلعبن دورا مزدوجا ومضاعفا ليساهمن من بعيد في إنقاذ الأرواح، من خلال الدعم النفسي وتخفيف الأعباء لأزواجهم الأطباء والممرضين والمساعدين.. مثلما هناك، أيضا، آباء وأمهات وأبناء متفهمون، يعتبرون معاناتهم جزءا من تضحيات يجب أن يبذلها كل مغربي ومغربية في هذه المحنة المرعبة وهذه المعركة المقدسة ضد الموت… هذا فضلا عن بعض الزوجات الطبيبات والممرضات والمساعدات المتخلى عنهن، بذريعة اشتغالهن ليلا وسط زمرة من الأطر والمساعدين الرجال، إذ هناك بعض الأزواج ممن لا يتقبلن هذا الأسلوب من الاشتغال… لقد عايشت هذه الحالات عن قرب، ومازلت ألمس تداعياتها باستمرار داخل بعض الأسر العاملة في القطاع الصحي.. هذا، فضلا عن الأكل المضطرب عند هؤلاء الجنود، إذ لا معنى لكلمة وجبات الغذاء أو العشاء، أو حتى الفطور، ولا معنى للأبوة والأمومة أمام إنقاذ الأرواح… وكما قالت لي يوما صديقتي الطبيبة “ماعرفتش بنتي كيفاش أو فوقاش كبرات”…
إنه غيض من فيض المعاناة النفسية والجسدية والاجتماعية، التي تعيشها أطرنا الطبية، في أمر وأقسى تجلياتها.. وعوض أن نجازي هؤلاء، على الأقل بعبارات حبلى بالتشجيع والتحفيز كنوع من الدعم السيكولوجي، أو بكلمة طيبة، كأضعف الإيمان، يأتي تجار الحروب البئيسة، من وراء شاشة هاتفه أو حاسوبه، ينعم براحة في زاوية مهملة من حجره الصحي، ثم يكتب عبارات تُنقِّص من مجهودات وتضحيات الأطر الصحية في بلادنا، أو يشارك فيديو لا يعرف خلفيات ناشريه، تقرع عمل الأطباء والممرضين ومن يدورون في فلكهم، بكل استفزاز وانعدام للمروءة، و هو لايدري أن جنود جبهتنا الصحية، يشتغلون في حقول موبوءة، حتى أنهم في بعض الأحيان لا يجدون حتى الكمامات والقفازات لحماية أنفسهم هم أولا.
أحيانا، يستعصي علي الأمر، حين أفكر في أن جنودنا البواسل أطرنا الطبية يواجهون ويتحملون ضغوطات أخرى إضافية، إذ في هذه الظرفية المريرة يضحون حتى بحقهم في طلب رخص استثنائية، كيف ما كان نوعها، ومهما كان موضوعها…
بهذه المناسبة الغير عادية، في ظرفية غير عادية، أود أن أوجه نداء لكل المغاربة أن يفكروا في يوم، أقترح يوم الجمعة، نهتف فيه جميعا بالتحية وبالزغاريد وبالورود تحية لكل ملائكة الرحمة من جنودنا البواسل، من أطباء وممرضين ومساعدين…
تحية حب وتقدير وإكبار لكَ ولكِ، سيدي وسيدتي، الطبيبة والطبيب والممرضة والممرض والمساعدة والمساعد، وتحية أمل في نجاح معركتكم، معركتنا، معركة كل المغاربة من أجل الحياة، في مواجهة رائحة الموت، التي يهددنا بها فيروس كورونا…
فاعلة حقوقية و نسائية