تعديل حكومي يعكس أزمة الكفاءات
الدار / افتتاحية
في خطاب يوليوز الماضي بمناسبة ذكرى عيد العرش شدّد، الملك محمد السادس على أن مشاريع المرحلة الجديدة تتطلب نخبا جديدة من الكفاءات في مختلف مناصب المسؤولية الحكومية والإدارية. وكان هذا الخطاب فرصة دعا من خلالها الملك رئيس الحكومة إلى تقديم مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق. وفي أكتوبر الموالي أعلن عن تعديل حكومي قلص عدد أعضاء الحكومة من 39 وزيرا إلى 23، بعد تجميع عدد من القطاعات الوزارية وحذف كتابات الدولة. وضمت هيكلة التعديل السابق 18 وزارة وخمس وزارات منتدبة.
كان من بين الوافدين على هذه الحكومة الحسن عبيابة الذي تقلد منصب وزير الثقافة والشبيبة والرياضية، والناطق الرسمي باسم الحكومة بعد حذف وزارة الاتصال. جاء عبيابة ممثلا لحزب الاتحاد الدستوري، لينوب عن محمد الأعرج، ومصطفى الخلفي والطالبي العالمي حاملا على عاتقه وزارة متعددة المهام والاختصاصات. كما أن ولوجه الحكومة كان بمثابة إعادة اعتبار لحزبه الذي كان قد فقد في التعديل الحكومي الذي جرى في 2018 كتابة الدولة في الصناعة والاستثمار التي كان يتقلدها الدستوري الشاب عثمان الفردوس. ولسخرية القدر تفرض الكوطا الحزبية مجددا عودة الفردوس نجل مدير الحزب، مرة أخرى للحكومة بعد إعفائه من المسؤولية الوزارية سابقا، ليقتسم مع وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي مهام الوزير المقال لحسن عبيابة.
عودة الوزير الشاب عثمان الفردوس لتولي منصب وزاري حساس كوزارة الثقافة لا يمكن قراءته إلا في قلب منطقين: أولا استمرار منطق الكوطا الحزبية التي تفرض احترام تركيبة التحالف الحكومي المشكل للأغلبية، من خلال تعويض وزير معفى بآخر ينتمي بالضرورة إلى الحزب نفسه، بما يعنيه ذلك من تضييق لإمكانات توظيف الكفاءات المناسبة للمهام المناسبة، والتي يتيحها الاختيار الأوسع بين كل الأحزاب الأخرى المشكلة للحكومة. وثانيا عقم الأحزاب السياسية عن إنتاج الكفاءات القادرة على تحمل المسؤوليات الحكومية في مختلف القطاعات. فإذا اعتبرنا أن تعيين الفردوس مجددا جاء بناء على اقتراح من حزبه، فإن هذا يؤكد أزمة النخب العميقة التي تعيشها الهيئات السياسية.
لكن هذا الاحتمال الثاني قد يكون مجرد إيحاء غير دقيق، بالنظر إلى أن الكفاءات التي يضمها حزب الاتحاد الدستوري لا يمكن حصرها في شخص عثمان الفردوس، فالحزب يتوفر على طاقات أكاديمية معروفة على الصعيد الوطني وتتولى مسؤوليات كبيرة في مجالات اختصاصها. لكن أزمة الكفاءات التي يبرزها التعديل المحدود الذي جرى يوم أمس لا ترتبط فقط بإعادة تعيين وزير سابق تم إعفاءه، وإنما أيضا بإلحاق مهمة الناطق الرسمي باسم الحكومة بمهام وزير التربية الوطنية سعيد أمزازي. فالرجل الذي يتقلد مسؤوليات قطاع اجتماعي حساس يمر بأزمة كبيرة بسبب الحجر الصحي، واحتمالات “السنة البيضاء”، وهو في غنى عن تحميله مسؤولية إضافية كمسؤولية التواصل الحكومي، علما أنه لم يثبت جدارة كبيرة في هذا المهمة بالنظر إلى سوابقه التواصلية المعروفة.
ومن غير المستبعد أن يمثل التعديل بشكله الذي تم به أمس أسهل وأسرع الحلول بسبب ضغوطات المرحلة الاستثنائية التي تعيشها البلاد في ظل الحجر الصحي ومخاطر تفشي فيروس كورونا، وما يتبعها من تداعيات اقتصادية، لمعالجة اضطرارية لخطأ استوزاري فادح يمثله تعيين الحسن عبيابة.