تحول البث الحي على وسائل التواصل الاجتماعي الى علاج مضاد للحجر عند نجوم الرياضة الذين وجدوا أنفسهم معزولين بين جدران منازلهم، في ظل توقف النشاطات بسبب فايروس كورونا المستجد.
بعيدا عن الملاعب ورياضاتهم المفضلة، أفاد النجوم من منصات التواصل والتفاعل الحي مع المشجعين ورياضيين آخرين على السواء، للكشف عن جانب آخر من شخصياتهم جعلتهم أقرب إنسانيا من متابعيهم الذين اعتادوا رؤيتهم كآلة تنافسية وضعتهم في مصاف الأساطير.
فمن المهاجم الفرنسي لريال مدريد الإسباني كريم بنزيمة الى الأسطورة البرازيلية رونالدو، دفع العزل العديد من نجوم الرياضة للكشف عن جوانب شخصية مميزة في تفاعلهم مباشرة مع الملايين من “المتابعين”.
حتى أن نجم كرة المضرب الإسباني رافايل نادال الذي عانى الأمرين لإتقان العمل على موقع انستغرام، أظهر جانبه الآخر في مواجهة “حية” مع غريمه السويسري روجيه فيدرر تناولا فيها الوضع الحالي وما يمكن تقديمه للعبة في ظل تعليق المنافسات.
من المؤكد أن محتوى منصات التواصل هذه الأيام مختلف تماما عما حصل عام 2016 مع العاجي سيرج أورييه الذي أوقف من قبل فريقه باريس سان جرمان الفرنسي لكرة القدم على خلفية تصريحات بحق مدربه لوران بلان وعدد من زملائه، في فيديو نشر عبر خدمة “بيريسكوب” وشكل فضيحة كبرى هزت الفريق الباريسي، ونال اهتمام وسائل الإعلام الفرنسية.
ورأى بوريس هيلو، خبير الاستراتيجيات الرقمية في الرياضة، في تصريحات “بما أن المسابقات معلقة، تحرر الرياضيون من إشراف المسؤول الإعلامي لناديهم (في الرياضات الجماعية)”.
وتابع “بالتالي، ثمة حاجز يسقط ويعزز الاتصال المباشر مع المشجعين: يصبح الرياضي المسؤول الإعلامي عن نفسه، ويمكنه التحدث عن المواضيع التي لم نسمع عنها من قبل”.
مع منصة “نويفي لايف” التي أطلقها بنزيمة في صيف 2019، أصبح المهاجم الفرنسي لريال من الأكثر تفاعلا بين الرياضيين مع المشجعين، ويُعَدُ أحد أكثر الشخصيات الفرنسية متابعة في العالم مع 33,6 مليون شخص.
بين المزاح والحديث باسترخاء، كشف بنزيمة لمتابعيه عن وجه مختلف وجزء من عالمه وشغفه: من موسيقى الـ”هيب هوب” مع مغنيي الراب ألونزو ولاكريم، الى الفكاهة مع الممثلين الهزليين مالك بن طلحة وتوما نجيجول.
وفي حلقتين فقط، حصد بنزيمة قرابة مليون مشاهدة، مع ذروة بلغت 130 ألف مشاهد للبث الحي.
ما هي الوصفة لنجاح بنزيمة في العالم الافتراضي؟ حجم والتزام “قاعدة الجماهير”، لكن أيضا نوعية ضيوفه. في هذه الناحية، يصعب لأحد أن يرتقي الى مستوى مثاله الأعلى “الظاهرة” رونالدو البرازلي الذي تمكن من استضافة رئيس الاتحاد الدولي “فيفا” السويسري جاني إنفانتينو والجمع بين زملائه السابقين الإنكليزي ديفيد بكهام، مواطنه روبرتو كارلوس، الحارس الإسباني إيكر كاسياس أو البرتغالي لويس فيغو، لتذكر حقبة الـ”غالاكتيكوس” في النادي الملكي.
من البرتغالية الى الإنكليزية، مرورا بالإسبانية أو الإيطالية، اطمأن الأسطورة البرازيلية على أخبار زملائه السابقين وعائلاتهم كما لو كان يجري مكالمة خاصة… تحت أنظار عشرات الآلاف من الناس.
لحظات حميمة بين زملاء الأمس، لكنها لا تمر من دون توجيه الرسالة الأهم في هذه الأيام الصعبة: “ابقوا في المنزل” لمكافحة تفشي “كوفيد-19”.
وخلال بث حي “خيري” على مدار 24 ساعة في قناته على موقع تويتش، استغل المهاجم الفرنسي لبرشلونة الإسباني أنطوان غريزمان وشقيقه تيو لعبة الفيديو “كول أوف ديوتي” التي شارك فيها المؤثرون الرئيسيون في عالم ألعاب الفيديو، لجمع مبلغ 29200 يورو لصالح الصليب الأحمر.
الأهم من كل ذلك، هو كشف الشخصية الحقيقية أمام عامة الناس، لأنه خارج “الخطوط الضيقة” للعلاقة الجدلية مع مواطنيه ماتيو فالبوينا (فضيحة الشريط الجنسي وابتزاز الأخير) وأوليفيه جيرو (انتقد مكانة الأخير في المنتخب الفرنسي)، كشف بنزيمة عن “صراحته” وطبيعته.
واعتبر الأستاذ المحاضر في جامعة كاين بوريس هيلو أنه باستخدام هذه الأداة “يهدف العديد من لاعبي كرة القدم الى الظهور بشكل مغاير للصورة الخاطئة عن رجل يجيد وحسب ركل الكرة. يظهرون انهم يتمتعون بشخصية وروح مرحة ورأي”.
وبعدما أصبحت من أبرز ضحايا تعليق الموسم، تواجه البرامج التلفزيونية التقليدية تحديا آخر الآن، وهو المنافسة من قبل البث الحي لمنصات التواصل الاجتماعي، والذي يحظى بشعبية خاصة لدى الشبان.
وفي هذا السياق، قال هيلو “في السابق، لم تكن كلمة الرياضي مسموعة إلا من خلال الصحافة التقليدية. الآن، تغير الوضع. بمجرد استئناف البطولة، سيكون من المثير للاهتمام معرفة ما إذا كان بنزيمة سيقول: أمضينا وقتا ممتعا! سأبقي على هذا اللقاء”…