الدار/ رضا النهري:
يبدو أن أكبر التوقعات التي كانت تؤرق الناس تسير لكي تصبح حقيقة، وأكثر هذه التوقعات هي أن يتحول العالم إلى كائن افتراضي، وألا يكون الناس سوى سطور على شاشة الحاسوب.
منذ بدأت جائحة كورونا وجدت البشرية الكثير من الحلول التواصلية عبر المواقع الافتراضية، وتم حل الكثير من المشاكل العالقة بالوسيلة نفسها، حتى أن الكثيرين يتساءلون اليوم، وماذا لو حلت بنا هذه الجائحة قبل اختراع الانترنيت؟ أكيد أننا لن نكون أفضل حالا من أجدادنا الذين حل بهم الطاعون.
في الساعات الأولى للحجر الصحي، حين كان من اللازم أن يختلي الناس خلف جدرانهم اتقاء شر هذا الوباء، كان العالم الافتراضي هو الحل، وتم قضاء الكثير جدا من الأغراض عن بعد، واكتشف ملايين الموظفين عبر العالم أن خروجهم اليومي من منازلهم والازدحام على الطرقات واختناق وسائل النقل العمومي لم يكن ضرورة قصوى، وأنه سواء تحت تهديد الفيروس أو من دونه، فإن العمل عن بعد صار واقعا لا يناقش.
لم يقتصر الأمر على مسألة العمل عن بعد، فقد مرت الكثير من الأحداث والتظاهرات الكبرى عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي، آخرها تظاهرات فاتح ماي، حيث جرب عمال العالم، لأول مرة في تاريخهم، التظاهر عن بعد، عبر وسائط التواصل، وكانت بالفعل تجربة غير مسبوقة لم يكن أحد يتخيلها قبل حلول الجائحة.
أكيد أن الأيام والشهور والسنوات المقبلة ستكرس أكثر الإنسان ككائن افتراضي، وهو ما كان تخيله حكرا على كتب وأفلام الخيال العلمي. هو مستقبل كان الكثيرون يتوقون إليه، لأنه سيخلص البشرية من الكثير من المعضلات المرتبطة بوجود الإنسان ككائن فيزيائي، لكن هناك أيضا من يحذر من التمادي في تكريس الوجود الافتراضي للإنسان، ففي النهاية قد يتحول إلى مجرد سطر من ماء.
عموما.. العالم يصنع نفسه الآن بطريقة غير مسبوقة، وسواء شئنا أم أبينا، فإن المستقبل سيكون مختلفا تماما عما كنا نتوقعه.