رنا الصباغ: “لا توجد صحافة حرة في العالم العربي”
الدار/ فرانسيسكو كاريّون
قررت رنا الصباغ، الصحافية ومديرة "شبكة إعلاميون، من أجل صحافة استقصائية عربية" (أريج)، ومنذ زمن بعيد أن الاستمرار في النضال خير من الاستسلام، وذلك رغم ضعف الإمكانيات والواقع البائس. "حينما تغيب حرية الصحافة، كل ما يبقى هو حكومة وقاضي وآلة دعائية وعدد كبير من السجون"، تقول الصباغ من مكتبها بأحد شوارع عمان التي تكثر فيها البنايات المالية. حسب موقع صحيفة "إلموندو" الإسبانية.
وتدير هذه الصحافية المتمرسة منذ سنة 2005 شبكة "إعلاميون من أجل صحافة عربية استقصائية"، وهي مجموعة مكونة من حوالي ثلاثة آلاف قلم من الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، متخصصون في الفن الخطير المتمثل في كشف فضائح الفساد أو انتهاك حقوق الانسان. وتُوّجت حربها مؤخرا بجائزة "رائف بدوي"، وهي جائزة تمنحها مؤسسة "فريدريك ناومان" من أجل الحرية والتي تحمل اسم الناشط السعودي المحكوم عليه سنة 2014 بالسجن عشر سنوات وبألف جلدة.
"اشتغلتُ صحافية مستقلة منذ خمسة وثلاثين سنة. وهذا هو أسوء زمن أتذكره. فبعد القمع الذي أنهى الربيع العربي، يطالبوننا الآن كصحافيين إما الاصطفاف إلى جانب الأنظمة أو ضدها. لقد كانت السنوات الأربعة الأخيرة التي عشتها ككاتبة أعمدة ومواطنة ومديرة الشبكة صعبة للغاية"، تعترف الصحافية التي تواجه السلطوية التي تعرفها المنطقة بشكل يومي. "لم أعاني على امتداد حياتي المهنية من الرقابة التي عانيت منها في السنة الأخيرة. لقد علقوا نشر ثلاثة أعمدة من دون أي سبب؛ وغيروا العناوين لقول خلاف ما كنت أريد التعبير عنه؛ وحتى عندما قررت مغادرة الجريدة التي أسستها سنة 2004، لم يتصل بي أحد ليسألني عن سبب رحيلي. لقد احتفلوا بخروجي"، تؤكد الصباغ.
ومع بداية حلول المساء، وسقوط رداء الظلام على الأحياء القريبة التي تظهر من النوافذ الصغيرة لقاعة التحرير، حيث يشتغل فريق من الصحافيين، منذ أسابيع على إعداد تحقيق يقتفي آثار تبذير أموال عمومية في مشروع بناء مدرسة بالعراق أو التضييق على مأوى للأيتام في الأردن. ويهمين الصمت المطبق على مكاتب البناية التي تضم الشقة المعزولة الخاصة بالشبكة. "إنه عمل وحيد ومثير للكآبة. بالأمس عدت إلى المنزل بعد منتصف الليل. يجب التعامل مع المشاكل بصورة دورية. فأحد صحافيينا يقع الآن في قبضة الحوتيين، وآخر ملاحق في مصر. والآن يتهموننا بالتجسس لأننا نشتغل بقواعد بيانات"، تقول بمرارة. أضف إلى أن ذلك أن نتائج التحقيق تقاوم من أجل الظهور علىي وسائل الإعلام في المنطقة بأسرها، وهي مهمة تزداد صعوبة يوما بعد يوم، لأن الصحافة المستقلة والنقدية تعرف حالة من التراجع المقلق.
"لا يوجد هناك مساحة للصحافة المستقلة"، تؤكد هذه المسيحية الأردنية الوفية "لمجموعة من المبادئ المتعلقة بالصحافة الجيدة والتي لم تدخل بعد مرحلة الانقراض". "نحن نتلقى الهجمات من الحكومات الفاسدة والنخب السياسية والاقتصادية والميليشيات، وأحيانا من الناشرين أنفسهم"، تقول. لا توجد زاوية واحدة معفية من المطاردة، فـ "مصر عبارة عن سجن مفتوح، ولا أحد يستطيع إظهار اختلافه مع السيسي. إنه بلد يسود فيه الصوت الواحد، وعلى الجميع أن يكونوا متشابهين؛ أما في الأردن، فالصحفيون يخضعون لمراقبة القوات الأمنية و95 في المئة منهم يعترف أنه يمارس رقابة ذاتية على نفسه؛ وفي سوريا، ومع أنه لم تكن هناك يوما حرية للصحافة، فهي حاليا أخطر البلدان على الصحافيين في العالم، لأنهم يجدون أنفسهم رهينة أطراف النزاع؛ وفي العراق، يبقى اغتيال الصحافيين دون عقاب".
وكشفت الجريمة الشنيعة لجمال خاشقجي الذي تعرضت جثته للتقطيع داخل القنصلية السعودية في إسطنبول بداية شهر أكتوبر الماضي عن حجم الخطر المحدق. "يجب المطالبة بمسؤوليات. هذه ليست المرة الأولى التي يحدث فيها أمر كهذا. لقد حصل الشيء نفسه، في سفارات سوريا والعراق وليبيا زمن حافظ الأسد وصدام حسين ومعمر القذافي، حيث استخدمت التمثيليات الدبلوماسية كأدوات للرقابة. على المتهم بقتل خاشقجي دفع الثمن"، تقول الصباغ القلقة من التدهور السريع لظروف العمل. "في العربية السعودية والبحرين والأردن ومصر تستعمل قوانين مكافحة الإرهاب ضد الصحافيين. لقد افتتحت مصر هذه الموضة الجديدة، وبما الأمر أشبه بفرقة أوركسترا، فما كان من البقية إلا أنها دعمتها. الأنظمة العربية تقوم حاليا باختراع قوانين غامضة ومطاطية لملاحقة الشبكة".
الصباغ على وعي بـكونها "تشتغل في أحد أكثر المهن خطورة في أشد مناطق العالم خطورة"، ومع ذلك فهي لا تتراجع. "الحكومات تخرق القوانين في إفلات تام من العقاب، لقد ضمنت وجود مساحة ضيقة من ربط المسؤولية بالمحاسبة والعمى المتواطئ للخارج. وحتى المواطنون لا يقدمون المساعدة، فهم يفضلون مشاهدة المقاطع المصورة للقطط الجميلة والاستماع للموسيقى"، تخطّ بقلمها وهي عازمة كل العزم على عدم ترك سلاحها. "لن نسكت أبدا، سنستعد للأسوأ وسنواصل النضال من أجل حرية الصحافة".