وباء كوفيد-19 يمنع لقاء أيزيدية خطفها الجهاديون إلى سوريا بعائلتها
بعد سنوات على خطفها على يد تنظيم الدولة الإسلامية، تمكّنت الشابة الأيزيدية ليلى عيدو أخيراً من التواصل مجدداً مع عائلتها في العراق. وحين بات لمّ شملهم وشيكاً، عرقل وباء كوفيد-19 اللقاء المنتظر.
على غرار أيزيديات كثيرات، خرجت ليلى (17 عاماً) العام الماضي من بلدة الباغوز في شرق سوريا حيث خاضت قوات سوريا الديموقراطية آخر معاركها ضد تنظيم الدولة الإسلامية وأعلنت دحره في مارس 2019. وبقيت منذ ذاك الحين داخل مخيم الهول الذي يؤوي عشرات الآلاف من النازحين وأفراد عائلات مقاتلي التنظيم المتطرف.
وتمكّنت الشابة التي كانت في الحادية عشرة من عمرها حين خطفها التنظيم مع شقيقتها عام 2014 مع الآلاف من الأقلية الأيزيدية من شمال العراق، التواصل تدريجياً مع أهلها بعيداً عن أعين النساء المتشددات في المخيم.
ومطلع أبريل، أي بعد عام من وجودها في الهول، علمت القوات الكردية في المخيم بهوية ليلى الأيزيدية، فسلّمتها إلى “البيت الأيزيدي”، وهي منظمة في شمال شرق سوريا تُعنى بإعادة المخطوفات الأيزيديات إلى عائلاتهن.
وتروي ليلى بخجل لوكالة فرانس برس “حين تحدثت مع أهلي، طلبوا مني العودة إلى البيت وقالوا لي إنهم بانتظاري، لكن أتى فيروس كورونا وأُغلقت الطريق”، في إشارة إلى المعبر الحدودي مع العراق الذي أُقفل من الجانبين في إطار تدابير التصدي للوباء.
وتقول الفتاة التي تقيم حالياً لدى عائلة أحد مسؤولي “البيت الأيزيدي” في قرية كمر في ريف الحسكة الشمالي، “شعرت أنني قليلة الحظ، فأنا مررت بأحداث صعبة وعشت تحت القصف وخفت من الموت في الباغوز، ليأتي اليوم المرض ويمنعني من رؤية أهلي”.
وتضيف “أعدّ الأيام للعودة إليهم”.
وليلى واحدة من آلاف الفتيات والنساء الأيزيديات اللواتي خطفهن تنظيم الدولة الإسلامية في العام 2014 خلال هجوم شنّه على منطقة سنجار. ووقعت الأيزيديات ضحايا انتهاكات جسيمة كالاغتصاب والخطف والسبي.
ورغم تشوّقها لرؤية أهلها الذين بقيت صورتهم عالقة في ذاكرتها، تبدي ليلى قلقا كونها نشأت على تعاليم التنظيم المتطرف ما أنساها معتقداتها كافة. وتقول “أخاف أن أجد صعوبة في التأقلم مع أهلي لأنني تركتهم وأنا صغيرة، عشت مع غرباء ونشأت على عادات مختلفة”.
وعلى هامش المعارك بين المقاتلين الأكراد والتنظيم الإسلامي المتشدد، تحرّرت عشرات الفتيات الأيزيديات من قبضة الجهاديين، إلا أن كثيرات لا زلن مفقودات. وبين اللواتي تمّ إنقاذهن من يخشين الكشف عن انتمائهن خصوصاً اللواتي خُطفن في عمر مبكر ولم يعرفن سوى الحياة في كنف التنظيم.
وتمضي ليلى يومياتها مع ابنتي العائلة التي تقيم لديها وتتواصل مع أهلها عبر الهاتف.
داخل غرفة علقت فيها أيقونة أيزيدية وصوراً لطائر الطاووس، أحد رموز الديانة الأيزيدية، تروي ليلى كيف تزوّجت قبل سنوات من أحد مقاتلي التنظيم ويُدعى أبو مصعب العراقي، وكان عمره 21 عاماً.
وانتقلت معه من منطقة إلى أخرى تحت سيطرة التنظيم، قبل أن تستقر في الباغوز حيث قُتل الزوج جراء قصف جوي.
في مخيم الهول، ووسط آلاف النساء من عائلات الجهاديين ومنهنّ من يتمسكن بتعاليم التنظيم ويحاولن تطبيقها، لم تظن ليلى أن بإمكانها العودة إلى أهلها. وكانت تعتقد أنهم قتلوا. وخوفا على حياتها في المخيم، قرّرت وصديقتها التكتّم على انتمائهما.
وتقول “كنا نخاف أن يحرقن خيمنا إذا أفصحنا عن أننا أيزيديات”، إلأ أنّ صديقتها قررت مغادرة المخيم قبلها، وساهمت في حصول اتصال أول بين ليلى وأهلها.
وتقول ليلى إن صديقتها أرسلت حسابها على “فيسبوك” الى عائلتها القاطنة حالياً في مخيم للنازحين في منطقة دهوك، فكان أول اتصال بين الطرفين بعد طول انقطاع.
في الجانب العراقي من الحدود، يتولّى مكتب المجلس الأعلى الأيزيدي لمّ شمل العائلات. ويقول أحد المسؤولين فيه علي خدر لفرانس برس “ليس بيدنا شيء، الحدود مقفلة من الجهتين بسبب الوباء”.
ويوضح أنه حين يُصار إلى فتح الحدود، سيصبح بإمكان ليلى أن تعود إلى أهلها.
وكانت أعداد الأيزيديين في 2014 نصف مليون نسمة في العراق، وهو ثلث عدد الأيزيديين في العالم. لكن مذاك توجه مئة ألف إلى الخارج، ويتكدس 360 ألفاً آخرين في مخيمات النازحين، معظمها في إقليم كردستان العراق.
وتقلّب ليلى على هاتف خليوي صور أيزيديات خرجن من تحت سلطة التنظيم وعُدن إلى عائلاتهن، في محاولة لتطئن نفسها بأنها ستتمكن من التأقلم وبدء حياة جديدة.
وتقول “طيلة السنوات الماضية رافقتني الذكريات. في البدء كنت أفكر دائماً بأهلي وأبكي كثيراً”، خصوصاً بعدما فُرّقت عن شقيقتها نوهات.
وتضيف “ثمّ تأقلمت مع الوضع.. حملت اسماً آخر هو زينب ودخلت دين الإسلام”. وتتابع “ارتديت النقاب منذ صغري، وكان من الصعب عليّ التخلي عنه”. لكنها خلعته فور خروجها من المخيم.
اليوم، لم تعد ليلى تفهم جيداً اللغة الكردية التي يتحدثها الأيزيديون أيضاً، لكنّها تعلّمت اللغتين التركمانية والعربية.
وأدى ذلك إلى ترددها في حسم قرار العودة إلى أهلها أو البقاء في المخيم.
وتقول الفتاة التي ترتدي سروال جينز وكنزة من الصوف “أحب اسم ليلى كثيراً، أتذكر أنني بكيت كثيراً حين سمعت صوت أهلي على الهاتف”.
وتضيف “أتحدث معهم يومياً ونتبادل الصور.. أتمنى أن أعود إليهم وأعيش حياتي بشكل أفضل من دون طائرات وقصف وحرب”.
المصدر: الدار ـ أ ف ب