الدار / افتتاحية
من الجوانب المضيئة التي كشفتها جائحة فيروس كورونا في المغرب هذه الثقة التي عادت بين المواطن والدولة. فعلى الرغم من كل المشاكل والصعوبات التي رافقت عملية تطبيق الحجر الصحي وتوفير الدعم والاستجابة للاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية إلا أن الأزمة التي نمر بها أظهرت المعدن الأصيل لمؤسسات الدولة ورجالاتها وموظفيها. لقد توارى النجوم والفنانون والرياضيون ووقف في الواجهة الأطباء والأساتذة ورجال الأمن وممثلو السلطة وأعوانها الذين يسهرون ويرابطون في الجبهات الأمامية في الحرب ضد مخاطر انتشار فيروس كورونا. وظهر هذا الأمر بجلاء في التعبئة الاستثنائية التي قامت بها وزارة الداخلية لكل أطرها وموظفيها الساهرين على تنفيذ الحجر الصحي واحترامه.
فإذا كان الطبيب يعمل في المستشفى، والأستاذ يجلس أمام حاسوبه لملاقاة تلاميذه، فقد رأينا أن موظفي وأعوان السلطة ورجال الأمن كانوا يظهرون في كل الأماكن والأوقات. في الشوارع والأسواق، والإدارات، يرافقون المرضى إلى المستشفيات، ويرابطون في الحواجز الأمنية في مراكز المدن ومداخلها، ويتابعون في الوقت نفسه نشاطهم الروتيني في مكافحة الجريمة بكافة أنواعها. إذ على الرغم من الظروف الاستثنائية التي نعيشها، لم تتوقف عمليات ضبط المهربين ومرتكبي الجرائم. ووسط هذه الأجواء الملتهبة والساخنة التي يؤدي فيها هؤلاء واجبهم بكل تفاني وتضحية، يتواصل للأسف توجيه الانتقادات هنا وهناك بسبب حادثة عابرة أو خطأ شخصي يرتكبه هذا المسؤول أو ذاك. ما الذي ستمثله مخالفة يرتكبه عون سلطة أو رجل أمن وسط ركام من المسؤوليات والمهام التي ينفذونها بصفة يومية في مواجهة إصرار غريب من بعض المواطنين على خرق تدابير الحجر الصحي؟
إن الإنصاف يقتضي من الجميع اليوم أن يتوقف للحظة ويتأمل في ما يمثله هذا الجهد الخرافي المبذول من طرف مصالح وزارة الداخلية بمختلف فروعها. صحيح أن مغرب حقوق الإنسان لا يمكن أن يقبل اليوم انتهاك كرامة مواطن مهما كانت جريمته، لكن هذا الانتهاك الاستثنائي، لا يمكن أن يمثل القاعدة، ويحول المغرب بشكل تآمري صريح إلى بلد شمولي. والحال أن بعض المخالفات التي ارتكبها بعض الموظفين في حق المواطنين تعاملت معها مصالح الأمن ووزارة الداخلية بالسرعة والصرامة المطلوبين، واتخذت فيها الإجراءات الإدارية والقضائية اللازمة. ومن المؤكد أن إدارة تحرص على معاقبة المخالفين من موظفيها لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن تقدم أداء متميزا ينبغي إعادة الاعتبار له ولمن يقفون وراءه.
ولن نبالغ أبدا إذا اعتبرنا أن أداء مصالح الداخلية لواجبها في الحرب على انتشار فيروس كورونا يخلق علاقة جديدة بين هذه المؤسسة وبين المواطنين. ومن المؤكد أن هذه العلاقة الجديدة ستتعزز في المستقبل بالمزيد من الثقة المتبادلة بين الطرفين. لقد تابعنا جميعا تلك المشاهد المؤثرة التي قدم فيها سكان أحد أحياء مدينة الرباط التحية من نوافذ المنازل لموكب من مواكب رجال الأمن وممثلي السلطة، بشكل أثار لدى الجميع عاطفة جياشة وجارفة. لن نقول هنا إن رجال الأمن والسلطة في حاجة إلى الشكر، فهم أول من يعرف أنهم إنما يقومون بواجبهم المهني والوطني، لكن شكرنا لهم هو حاجة من حاجاتنا نحن الذين نجلس في بيوتنا آمنين مطمئنين نتابع ما يجري عن بعد. نحن من نحتاج إلى شكرهم لأن الامتنان والعرفان عون لنا على اجتياز هذه الأزمة، وتخطي تداعياتها النفسية بالأساس. إن شكرنا لهم دفقة تفاؤل وإنصاف يمكن أن تعطينا، نحن المحجورين في بيوتنا، أملا في إمكانية تجاوز هذه الجائحة بأمن. لن ندعو أحدا للسكوت على ما يراه من انتهاك، لكن من إنصافنا لذواتنا أولا أن نشكر رجالا صدقوا الله والوطن من أجل راحتنا وسلامتنا.