الدار / افتتاحية
من السابق لأوانه أن نتحدث عن نجاح أو فشل الدولة المغربية في مواجهة جائحة كورونا، إذ لا يزال الفيروس في مرحلة الانتشار، على الرغم من الانحسار الذي قد يسجل في بعض الجهات والأقاليم. لكن من المؤكد أن المجهودات التي تم بذلها على جميع المستويات تؤكد أن السلطات لم تأل جهدا من أجل الحد من انتشار الجائحة، وتفشي الفيروس، وأن بعض الثغرات كانت وراء الخذلان الذي أدى إلى استمرار الوباء وإلا فقد كان من المفروض أن يتراجع بنسب أكبر في الفترة الحالية. هذا الخذلان الذي جاء من منفذ خرق الحجر الصحي رغم كل المحاذير يدفع رجال السلطة وأعوانها إلى القيام بأقصى ما يمكن من الجهود في أفق تحقيق المبتغى.
وفي ظل هذه الأجواء التي تحيطها أهداف قصوى ومصيرية يصبح عمل هذه الفئة من الموظفين التابعين لوزارة الداخلية مهمة صعبة ومحفوفة بالكثير من الضغوطات والمخاطر، ثم فوق كل هذا لا تتوقف بعض الألسنة العدمية عن انتقاد عثرة هنا أو زلة هناك. لنأخذ على سبيل المثال ما جرى في منطقة عين الشق من تنظيم لصلاة الجنازة في الشارع العام ودون مراعاة لمعايير التباعد الجسدي بين المصلين. لقد بُح صوت السلطات وهي تنبه عبر مختلف الوسائل المتاحة إلى أن مفتاح الانتصار على الجائحة هو احترام التباعد الجسدي وملازمة البيوت. هل كان من الضروري أن يقف على رأس كل مصلي من المصلين رجل سلطة حتى يلتزم بما ينجيه من العدوى؟ وعلى الرغم من ذلك فقد نزل العقاب الإداري سريعا على قائد المنطقة الذي تم إعفاءه بسبب عدم فرضه لتطبيق القانون.
إنها حقا مهمة مستحيلة هذه التي يؤديها هؤلاء الموظفون، المطالبين في الوقت نفسه بالحرص على احترام القانون، وباحترام معايير حقوق الإنسان والحوار الحضاري مع الناس. وهذا ما نجح فيه 99 بالمائة منهم، لكن الكاميرا لا تسلط للأسف إلا على قائد هنا أو قائدة هناك خرقا بعض معايير حقوق الإنسان أو تلفظا بلفظ غير لائق في لحظة ضغط وغضب عابرة. ماذا لو كان الناس يصعبون مهتمك ويجعلونها مستحيلة؟ تخيل معي أنك سائق سيارة أجرة يطلب منك زبونك أن توصله إلى مكان معين وعندما تهم بالانطلاق يغطي عينيك ويطلب منك أن تسير. كيف ستؤدي واجبك وتنقله إلى حيث يريد؟ هذا ما يعيشه بالضبط رجال السلطة وأعوانها في هذه الأيام خصوصا في المدن الكبرى.
عندما يخرج الآلاف من الناس من بيوتهم بلا حاجة أو غرض مهم، ويتجمهرون ثم يلتحق بهم آلاف الباعة المتجولين، ثم يطلب من رجل السلطة أن يدخل وسط كل هذه الجموع مغامرا بصحته وسلامته، ليقنع الناس بالعودة إلى بيوتهم، وعندما يبذل كل ما يستطيع، ثم تسجل على الرغم من ذلك حالات إصابة جديدة يعود الناس نفسهم الذين خرقوا الحجر الصحي ليقولوا إن السلطات متساهلة ولا تقوم بأدوارها. ثم لا يرى كل هؤلاء من هؤلاء الموظفين الساهرين على سلامتهم وصحتهم إلا ذلك الخطأ العابر الذي سلطت عليه الكاميرات.
ولكن، وعلى الرغم من هذه الحملة العمياء التي قد تستهدفهم، فإن رجال السلطة وأعوانها أبانوا عن أنهم كانوا أبطالا حقيقيين في أوج هذه الجائحة، وسيذكر التاريخ أنهم واجهوا الجائحة ببدلاتهم المدنية والعسكرية، وهم يحاولون بكل تفاني وإخلاص حماية المغاربة من الوباء، في المدن والقرى، وفي الليل والنهار، لاينافسهم في هذا الشرف إلا أصحاب البدلات البيضاء من الأطباء والممرضين الواقفين على الجبهات الأمامية.