“كورونا” في المغرب…رفع البلاء عن العالمين في التوسل إليه تعالى بأصفيائه المقربين
الدار / خاص
فيما يلي مقال للباحث بالرابطة المحمدية للعلماء، محمد المنصوري، حول موضوع ” رفع البلاء عن العالمين في التوسل إليه تعالى بأصفيائه المقربين”.
لقد تعددت وتنوعت التوسلات والأسباب الجالبة للفرج عند المسلمين في أوقات البلايا والملمات إلى عدة تمظهرات، منها التوسل بأسمائه وصفاته جل وعز، ومنها التوسل بالأعمال الصالحات كما في قصة أصحاب الغار، ومنها التوسل باختيار أمكنة طاهرة ترجى بركتها، أو أزمنة يرجى دفع البلاء فيها؛ والتي تدل عليها زمرة من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية دلالة تؤكد عظم هذا الملحظ واستحضاره أثناء التوسل والطلب، فبتأييد هذه النصوص الشرعية المعلومة من الدين بالضرورة نجد تأكيدا على عظم التضرع لله تعالى فيها دون غيرها، مثل: المواجهة الشريفة؛ بعد السلام عليه صلى الله عليه وسلم وعلى الصاحبين رضي الله عنهما، وكالروضة المباركة؛ بين مقام ومنبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى جبل عرفة، وبين الصفا والمروة، وعند باب الملتزم وعند استلام الركن اليماني والحجر الأسود…إلخ، ومنها قوله تعالى: “هنــالك دعا زكرياء ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعـــــاء” [آل عمران، الآية: 38] .
أي في ذلك المكان، قبل أن يخرج، وقد نبهه إلى الدعاء مشاهدة خوارق العادة مع قول مريم: “إن الله يرزق من يشاء بغير حساب”[آل عمران، الآية: 37]، والحكمة ضالة المؤمن، وأهل النفوس الزكية يعتبرون بما يرون ويسمعون، فلذلك عمد إلى الدعاء بطلب الولد في غير إبانه، وقد كان في حسرة من عدم الولد كما حكى الله عنه في سورة مريم. وأيضا فقد كان حينئذ في مكان شهد فيه فيضا إلهيا. ولم يزل أهل الخير يتوخون الأمكنة بما حدث فيها من خير والأزمنة الصالحة كذلك ، وما هي إلا كالذوات الصالحة في أنها محال تجليات رضا الله[1].
لكن هناك نوعا آخر من التوسلات التي قد غفل أو يغفل عليها المسلمون، لا لشيء إلا لغلبة بعض الفهوم والاجتهادات التي أطرت الوعي الجمعي عند البعض، وأثرت ولا زالت تؤثر عليه، بل وهاجمت أهل القبلة الموحدين بأشنع الصفات.
ولعل أبرز هذه التوسلات التي كثر فيها الكلام بين مانع بإطلاق ومجيز بإطلاق أو بتحفظ، التوسل بالأنبياء والأولياء الصالحين أو من تُرجى بركتهم ومكانتهم من الله عز وجل سواء في حياتهم أو بعد مماتهم.
إن أهل القبلة مجمعون على منع طلب شيء من المخلوقات استقلالا وعلى وجه الحقيقة، وهذا أمر معلوم من الدين بالضرورة، سواء بالعقل أو بالنقل، لكن ما المانع من اتخاذ أصفياء الله تعالى وهم أعظم وسيلة يستعان بها لجلب المصالح ودفع المساوئ –كما هو الحال في زمننا هذا وما يشهده من انتشار للوباء المسمى-!.
سنحاول أن نتطرق إلى الكلام عن النوع الأخير من أنواع التوسل حتى يزول الغبش وتضح الصورة.
من المعلوم -كما تقدم- أنه لا فاعل ولا نافع ولا ضار إلا الله تعالى”؛ وهو اعتقاد سائر المسلمين، ولكنه لا ينافي التوجه إلى خير خليقته، وأصفيائه من رسله وأنبيائه وأهل حضرة قدسه من أوليائه، والتوسل بهم في استكشاف الكربات، واستدفاع البلايا والملمات
فمن جعل التوسل المذكور من قبيل الإشراك، لم يرزق ذرة من الإدراك، وهذا معنى لائح لأولي النهى، والتباسه كالتباس الشمس بالسهى[2].
فالمنكر له يجري حكمه على جاحد الإجماع، قال القسطلاني في «المواهب»: «ثم إن كلا من الاستغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ذكره في «تحقيق النصرة»[3] و «مصباح الظلام»[4] واقع في كل حال قبل خلقه وبعده في حياته في الدنيا، وبعدها في البرزخ وبعدها في عرصات القيامة»[5].
وقال الشيخ الطيب ابن كيران الفاسي في تأليف له في نحو المسألة: «وأما التوسل بأولياء الله تعالى فمما أجمع عليه الأئمة المهتدون»[6]، وقد يؤيَّد الإجماع المذكور بفعل عمر رضي الله عنه في استسقائه بسيدنا العباس بمحضر الصحابة من غير نكير منهم[7]، فلو كان حراما ما فعله سيدنا عمر ولمنعه الصحابة من اتيانه ولا سكتوا عنه.
وقد أورد الإمام البخاري في صحيحه وكذا مسلم أيضا عن أنس رضي الله عنه، قال: أصابت الناس سنة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب على المنبر يوم الجمعة، إذ قام أعرابي فقال: يا رسول الله هلك المال وجاع العيال فادع الله لنا أن يسقينا، قال: فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وما في السماء قزعة، فثار سحاب أمثال الجبال ثم لم ينزل عن منبره حتى رأيت المطر يتحاذر على لحيته… الحديث[8]
ولا شك أن هذه شفاعة طلبت من سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في دار الدنيا[9]، ولهذا قال البخاري رحمه الله في ترجمة هذا الحديث: باب: إذا استشفعوا إلى الإمام ليستسقي لهم لم يردهم[10]، قال بعض من تكلم على هذا الحديث، فيجوز لمن وقع في شدة، أي الآن، أن يتوجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن يرغب إلى الله تعالى في كشف تلك الشدة كما فعل الأعرابي لعظم جاهه عند ربه تعالى لأنه صلى الله عليه وسلم حي في قبره كما هو في دار الدنيا[11].
وانظر صنيع عمر رضي الله عنه مع علو منصبه وجلالة قدره ورفعة محله كيف أتى وليا وطلب منه أن يستغفر له، وكان ذلك بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم له. وهل هذه إلا شفاعة من عمر بأويس واستعانة به، وهذا الحديث أي: حديث أويس القرني[12]؛ أصل عظيم في زيارة الصالحين وطلب الدعاء منهم والتوسل بهم إلى الله تعالى في دفع المعاطب وكشف المصائب والنوائب في حياتهم وبعد مماتهم[13].
وروى الترمذي عن عثمان بن حنيف أن أعمى قال: يا رسول الله ادع الله أن يكشف لي عن بصري، قال: «انطلق فتوضأ ثم صل ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة، إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضى لي، اللهم فشفعه في»[14].
وروى الطبراني عن عثمان بن حنيف أن رجلا كان يختلف إلى عثمان بن عفان في حاجة، فكان لا يلتفت إليه ولا ينظر في حاجته فشكى ذلك لابن حنيف، فقال له: إيت الميضات فتوضأ ثم إيت المسجد فصل ركعتين ثم قل: اللهم إني أسألك وأتشفع إليك بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، يا محمد إني أتوجه بك إلى ربك فتقضي حاجتي وتذكر حاجتك[15].
ولو تتبعنا ما للناس عامتهم وخاصتهم في هذا لطال بنا الكلام، ويكفي من القلادة ما أحاط بالعنق ففيما ذكر كفاية للمنصف والسلام.