مغرب جديد يولد من رحم الجائحة
الدار/ افتتاحية
منذ بداية جائحة كورونا ظهر أن المغرب والمغاربة مقبلون على اكتشاف جديد للذات والوطن. لقد مثلت أزمة تفشي فيروس كورونا غير المسبوقة فرصة تاريخية للمغرب من أجل اختبار متانة مؤسساته وتماسك نسيجه الاجتماعي ورقي الوعي الجمعي. لكن ما حدث كان أكثر من كل هذا بكثير، بل فاق أكثر التوقعات تفاؤلا بعد أن أصبح تدبير الجائحة مضرب مثل في العديد من بلدان العالم المتقدم. لن نكون مبالغين إذا استخلصنا بعض الدروس الهامة من هذا الاستثناء المغربي الجديد. وقد عشنا قبل أكثر من أسبوع جانبا مهما من هذه الخلاصات والذي يهم مسألة السيادة الوطنية. فقد شكلت جائحة كورونا مناسبة مثالية لتعزيز السيادة الوطنية في كثير من الميادين والمجالات.
وقد كان آخر الأمثلة على هذه المسألة المتعلقة بتعزيز السيادة ذلك القرار المستقل الذي اتخذته وزارة الصحة عندما قررت التمسك بالبروتوكول العلاجي القائم على عقار “هيدروكسي كلوركين” في الوقت الذي قررت فيه منظمة الصحة العالمية والعديد من البلدان الأوربية وعلى رأسها فرنسا وقف الاختبارات الجارية لهذا الدواء. ولم تمض إلا بضعة أيام حتى تراجعت منظمة الصحة العالمية عن قرارها وأحرجت الكثير من الحكومات الأوربية التي أضحت اليوم تواجه انتقادات داخلية حادة بسبب ارتباطاتها بالمنظمة الدولية أو ببعض المختبرات ومراكزها العلمية الدولية. لقد كان من الممكن أن يلجأ المغرب بدوره إلى التوقف عن استعمال هذا البروتوكول تبعية للقرارات الدولية، لكن المعاينة العملية لوزارة الصحة والتدبير المستقل لجائحة كورونا جعل المغرب يستقل تماما بكل القرارات التي اتخذها في هذا السياق.
لا داعي للتذكير بأن هذه الجائحة بدأت برد دبلوماسي ذكي على الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عندما دعا المغرب بأسلوب خال من اللباقة إلى التسريع بترحيل مواطنيه إلى فرنسا. ومن المفيد التذكير اليوم بأن جل البلدان الأوربية التي شرعت في التخفيف من إجراءات وقيود الحجر الصحي، تنتظر القرار الذي سيتخذه المغرب بعد 10 يونيو الجاري، للإجابة على تساؤلات مواطنيها من السياح ورجال الأعمال وغيرهم الراغبين في التوافد على المغرب. وينطوي هذا الأمر على تأكيد ما سبق أن ذكرناه بأن المغرب عزز سيادته على كل ما يجري داخل أراضيه وأجوائه ولم يعد من الممكن ممارسة الضغوط عليه أو ابتزازه في هذا المجال.
إن تعزيز السيادة والنجاح في تدبير الجائحة يؤكدان بما لا يدع مجالا للشك أن مغربا جديدا يولد من رحم الجائحة. وأن الذين يتحدثون عن مرحلة جديدة ستعرف تاريخيا بـ”مغرب ما بعد كورونا” لا يبالغون، بالنظر إلى ما رسخته هذه الأزمة في المجتمع المغربي أفرادا ومؤسسات من قيم وطموحات. لا يجب أن ننسى، بل ينبغي أن نفتخر بما عبر عنه مجتمعنا من تضامن وتآزر عميقين. لم نشاهد استغلالا أو احتكارا أو فوضى أو عنفا أو انفلاتا على الرغم من كل الضغوطات النفسية والاجتماعية التي يمثلها حجر صحي امتد على مدى أكثر من شهرين ونصف. لم نرصد حقدا أو كراهية أو عنصرية كالتي تفتك اليوم بأرقى وأغنى المجتمعات وتدفعها نحو المجهول.
من حقنا اليوم كمغاربة أن نفتخر وبكل مظاهر الفرح والأمل في غد جديد، بهذا المجتمع الذي ولد ليعيش ويترعرع ويكبر. مجتمع استعاد قيم الماضي الجميل ويستعد اليوم بعد أن أظهر قدراته على الإبداع والابتكار في سياق الأزمة للانفتاح على مستقبل أفضل، بفضل ذلك التماسك والانسجام الذي بدا واضحا بين مؤسساته وأفراده. صحيح أن آفات الفقر والبؤس والأمية لا تزال تطال الكثير من أبنائه لكن هذه الجائحة أظهرت أنه وطن قادر على تجاوز كل ذلك وبأقصى سرعات التقدم الممكنة.