“كورونا” في المغرب….نصّان عن الوباء والتحجير الصحي من كتاب “خلال جزولة”
الدار/ خاص
في اطار مواكبة موقع “الدار” لمستجدات تفشي فيروس “كورونا” المستجد، ونهوضا من الموقع بدوره في تحسيس وتوعوية المواطنين بأهمية الوقاية و الالتزام بالحجر الصحي لتجاوز هذه الظرفية الاستثنائية، يوصل الموقع عبر صفحة “دين وفكر” نشر عدد من المقالات العلمية لباحثين وباحثات تتناول المنهج الرباني والنبوي في التعامل مع الأوبئة و الأمراض المستجد. نقف في هذه الحلقة مع نصين يتناولان الحجر الصحي.
النص الأول:
قال المختار السوسي رحمه الله:
“وكان من أغربِ المصادفاتِ أنَّنا وجدْنَا أعوانَ الحكومة كمَا جَاءُوا فاسْتَدارُوا بالقرية[1]. مُعلِنين أنْ لا خروجَ ولا دخولَ لأحدٍ، لظهورِ بوادرِ مَرضٍ مُعدٍ مِن بعضِ السكانِ. ماتَ منه بعضُهُم، فكانت دارُ ربِّ مثوانا خارجةً عن القرية، فأباحَ الحراسُ لأهلِها عدمَ الانحجارِ مع أهل القريةِ، فكان ذلك مِن لُطف الله بنا، وإلا فنُحرَمُ من صلةِ الرحم.
وهذا التَّحجيرُ الصِّحي في الأَوْبِئَةِ المعْدِية ِمما ظهرَتْ للعقولِ منفعَتُهُ، ودلَّتْ عليهِ الأحاديثُ الصحيحَةُ، فقد أمرَنَا أن لا ندخُلَ بلداً فيه الوَباءُ، وأن لا نخرج مِنه، وقضيَّةُ عمَرَ حين قدم الشام معروفة[1]، ولا أكادُ أفهم ما في الاستقصاء في ترجمة أحمد الذهبي من دفع هذا التحجير[2]، وفوق كل ذي علم عليم”[3].
النص الثاني:
وقال رحمه الله:
“وفي البكرة يوم الأحد أصبح الجو مكفهرا وصار يطيش، فخفنا من اندلاعِ المطَرِ فيَعُوقَنا هناك، فابتدَرْنا على السيارةِ فمررْنَا بوادي الأُدباء وادِي تانْكَرْت والقلوبُ ترتمِصُ شوقا إلى أهاليها، خصوصا شيخَنا العلامة أبا محمد، ولكن للضروراتِ أحكام، فوصلنا إِلْغ نحو التاسعة العربية فلاقانا أخونا الخليفةُ سيدي محمد مُرحِّبا، فأخبرنا بأن في أهالينا مرضا منذ أسابيعَ فدخلتُ الدار وقلبي يرتجِفُ فوجدت الأهلَ كما أُبلوا مما ألمّ بهم، فعانقتُ أولادي فشممتُ منهم ثانيا مصداقَ ما قاله أبو العتاهيةِ في أرجوزته الشهيرة:
روائِح الجنة في الشباب[4]
وقد وجدت عليَّ بن الحبيب، بلغ به المرضُ الجَهدَ الشّديد وقد قطع منه اليأس، وفي صبيحة يوم الثلاثاء لحقَ بربه وهو ابن ثلاثَ عشرةَ سنةً وقد جمع القرآن تقبله الله وجعله فَرَطا وأجراً، وهذه المرْضَةُ قدْ لحِقَتْ غالِب الناسِ في صِفَةِ زُكامٍ وسُعالٍ، وأخذٍ بالحواسِّ، إلا أنَّ الله سلَّم غالبَ الناس، فبرئوا قَريباً، دفع اللهُ كل بأسٍ عنا وعن جيراننا وعن كل المسلمين أجمعين.[5]
د. بوجمعة إدبنصر رئيس مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراوي
يقصد قرية العوينة، من بونعمان ، إقليم تزنيت.
[1] يقصد ما روي عن عمر بن الخطاب حين عودته من الشام فبلغه الخبر أنها موبوءة بالطاعون، واعتراض أبي عبيدة عليه قائلاً (أتفر من قدر الله؟) وجوابه: (أفر من قدر الله إلى قدر الله). انظر السنن الكبرى للبيهقي (7/354).
[2] قال صاحب الاستقصا: قال اليفرني كانت وفاة المنصور بالوباء وقال الشيخ أبو محمد عبد الله بن يعقوب السملالي في شرحه لجامع شامل بهرام كان بالمغرب وباء استطال به من سنة سبع إلى سنة ست عشرة وألف وعم سهل المغرب وجبله حتى أفنى أكثر الخلق ومات به جمع من الأعيان وبه مات السلطان أبو العباس أحمد المنصور رحمه الله ونحوه ذكره صاحب الفوائد وغيره قال اليفرني وبه تعلم ما شاع على الألسنة من أن المنصور سمه ولده زيدان بإشارة من أمه الشبانية في باكور أوائل ظهوره وقطع عنه الأطباء إلى أن هلك، وأن المنصور لما أحس بذلك قال استعجلتها يا زيدان لا هناك الله بها أو كلاما هذا معناه قالوا وبسبب ذلك لم تنصر لزيدان راية فإنه انهزم في زهاء سبع وعشرين معركة كله كذب لا أصل له؛ لأن المنصور طعن بالوباء ولم يذكر أحد ممن يوثق به ما شاع على ألسنة العامة وأضرابهم من الطلبة اه ثم نقل المنصور رحمه الله بعد دفنه إلى مراكش فدفن بها في قبور الأشراف قبلي جامع المنصور من القصبة وقبره هنالك شهير عليه بناء حفيل الاستقصاء في أخبار دول المغرب الأقصى لأحمد الناصري دار الكتاب، الدار البيضاء. (5/186).