المواطن

“الفارنتشي” مهنة تصارع الزمن.. في ظل غياب أبسط شروط العمل

الدار/ أسماء لشكر – تصوير: مروى البوزيدي 

"القدر والصدفة هما من اختارا لي مهنة الفارناتشي"، بهذه العبارة استهل عبد الكريم زيتوني، جوابه عن سؤال سبب مزوالته هذه الحرفة، هو شاب في عقده الثالث يعمل بمحل لـ"فارناتشي" وسط المدينة القديمة بالرباط، وبالضبط بحي سيدي فاتح، عبد الكريم يزاول هذه الحرفة منذ 23 سنة، ظروفه العائلية قادته للإشتغال بـ"الفارناتشي"، عوض مزاولة مهنة أخرى مريحة بأجر قار يحلم بها أي شاب في سنه.

يقول عبد الكريم، المنحدر من إقليم قلعة السراغنة، والحزن يملأ حديثه، إنه هاجر إلى الرباط، جاهلا أي شيء عن هذه المدينة، معبرا بكلمات تحمل في طيّاتها العديد من معاني الغربة، ربما قصده أن يقربنا من غربته عن أسرته وقريته.

ويتابع "كنت أحلم بمستقبل زاهر بهذه المدينة، لم أكن أعلم أن الحياة قاسية، فأغلب المغاربة يجهلون معاناة العاملين في الفرناتشي.

ساعات عمل طوال مقابل أجر زهيد

يستقيظ عبد الكريم ، في السادسة صباحا على نغمات رنين الجرس، للقيام بمهمته المعتادة، المتمثلة، في تسخين الماء للحمام الذي يشتغل به، حمام بلدي بالعاصمة ويدعى حمام "الشرفة" فساكنة الحي يعتبرونه معلمة تاريخية بالحي  نظرا لشهرته وقدمه بالمدينة.

رنين الجرس بالنسبة لعبد الكريم، صافرة انطلاق فصل من فصول حكاية  يوم عمل شاق، في مكان يفتقر لأبسط شروط السلامة، إذ أن عند ولوج فريق موقع "الدار" مكان اشتغاله، حيث للوهلة الأولى أحس الصحافيون كأنهم  في عالم آخر، مكان إيجابيته  تعادل مساوئه فدفئ شتاءه بمثابة نار صيفه.

يسترسل عبد الكريم في حديثه بينما أياده منشغلة في إيقاظ النار، "لا أتمنى هذه المهنة لأبنائي"، وملامحه يملأه الإحباط، "حالتي المادية سيئة جدا فدخلي اليومي لا يتعدى 40 درهما"، بينما تقاسيم وجهه تطرح العديد من التساؤلات، بشأن مبلغ زهيد، لا يستطيع توفير تعليم جيد لأبنائه، متخوّفا تكرار السيناريو نفسه.

غياب التغطية الصحية.. ونظرة دنيوية للمجتمع

"كيشوف فينا الناس فهاد البلاصة كيجيب ليهم الله ماعرفت اشنو كنديروا هنا"، هكذا كانت إجابة عبد الكريم بنبرة تملؤها السخرية، عند سؤاله عن نظرة المجتمع لهذه المهنة، قائلا: "نظراتهم لنا قاسية ولا ترحم لازال هناك، من يحتقر هذه الحرفة الشريفة، حتى البعض ممن يشتغلون فيها يتذمرون منها". يسجل عبد الكريم.

ويختتم عبد الكريم حديثه، "أنا لم أندم على أي  شيء، ولكن أكثر ما فقدته في هذا المكان هو صحتي، فقد أصبحت أعاني من ضعف البصر، وللأسف لا توجد لدي تغطية صحية ولا من يلتفت لحالنا". مطالبا المسؤولين  بتقنيين هذه الحرفة،  وإعادة الاعتبار لهذه الفئة من الناس التي تعاني في صمت في ظل مستقبل مجهول.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

5 × 4 =

زر الذهاب إلى الأعلى