الدار/ تحليل
يُصر أحد الأشخاص على تصوير نفسه مضطهدا بسبب معتقده في المغرب، مدعيا، في كل مناسبة أو بدونها، بأن شرطة “الدين والمعتقد” تسللت إلى فؤاده ونجواه في دجى الأسحار لتسأله عن أي الديانات التوحيدية يعتقد، وهل النبي محمد أم يسوع الذي بشّر به هو من يتبع، وكأننا نعيش حروبا صليبية في نسخة منقحة جديدة.
فهل الدولة التي تمنع صلاة المسيحيين، كما يدعي هذا الشخص، يمكنها أن تستقبل بابا الفاتكان، المؤتمن على الكرسي الرسولي، في رسالة صادحة بالتسامح الديني؟ وهل يقبل العقل والمنطق أن تكون هناك دولة تضطهد الأقليات الدينية وهي تأوي المئات من الكاتدرائيات والكنائس والبيّع والدّير التي تأوي إليها أفئدة المؤمنين من كل الديانات التوحيدية؟ وهل هناك دولة تسمع فيها أجراس الكنائس تُقرع كل أيام الآحاد، بيد أن هناك من يدعي أنها تمنع الصلوات ؟
وحده الرئيس المفترض للأقليات الدينية، هو من يمعن في ترديد شعارات الاضطهاد المتوهمة في المغرب. إذ لم نسمع أن الباباوات في سنواتهم المتعاقبة أو المطارنة أو البطارقة أو الأساقفة ولا الرهبان تلهج ألسنتهم بما يزعم به هذا الأخير. فهم يناجون الرب في سماحة المغرب، ويرفعون أكف الضراعة بدون “شرطة للمعتقد” تحصي ترانيم صلاتهم، ولا بوليس “الآخرة” يعدّ معهم تراتيل الإنجيل والتوراة والزابور وصحف إبراهيم الأولى.
لقد زعم المعني بالأمر كثيرا أن الشرطة تبحث عنه، وترك الباب مواربا للشيطان ليرتع في اللبس والغموض والجزئيات. والحقيقة أن الشرطة القضائية وجهت له فعلا استدعاءً للحضور أمامها! ليس من أجل الصليب ولا “أسفار التناخ” ولا الأنبياء الكبار والصغار، وإنما من أجل الرد على شكاية سجلها في حقه صحفيون يعملون في جريدة مغربية، يتهمونه فيها بارتكاب جرائم لا علاقة لها بالرب ويسوع والنواميس الغيبية، وإنما لها علاقة بالقوانين والتشريعات الوضعية.
وصاحب هذه المزاعم، الذي يدعي أن مسيحيا “لا يستطيع الصلاة في المغرب”، نسي أو تناسى بأن صلاة المسيحيين تكون في الكنائس والكاتدرائيات المفتوحة أمام جميع المؤمنين، والتي أقفلت أبوابها في الأشهر الأخيرة، بشكل احترازي، مثلها مثل المساجد و دير اليهود بسبب تهديدات جائحة كورونا للأمن الصحي لعموم المغاربة بصرف النظر عن معتقدهم أو دينهم؟ كما أن الصلوات الجماعية المؤداة “خلسة” في المنازل، فقد كانت ممنوعة على الجميع، مسلمين ويهود ومسيحيين، بسبب قواعد شرعية منصوص عليها في جميع الأديان السماوية، فلا حاجة إذن للتذرع بذلك لتوهيم المغاربة والعالم بأن المسيحيين يعيشون الاضطهاد بسبب المعتقد.
ويبقى السؤال المطروح: لماذا لا نسمع أن اليهود يتظلمون بما يتظلم به الشخص ذاته كل مرة ؟ ولماذا لا يتظلم الأساقفة والرهبان الذين يعيشون في المغرب منذ عقود بما يتظلم منه صاحب الأقليات الدينية؟ هل هي الحسابات الشخصية والمآرب الدنيوية هي التي تجعل المرء يحتال ب”معتقدات الناس” ويتاجر ب “إيمانهم”؟
إن من يزعم أن حمل الصليب هو جريمة تؤدي إلى السجن بالمغرب، عليه أن يدرك أولا بأن بلادنا تستقبل كل سنة عشرات الملايين من السياح الأجانب، أغلبهم مسيحيون أورثودوكس وكاثوليك وبروتستانت؟ فهل سبق اعتقال هؤلاء بسبب حمل الصليب أو ارتداء القلنسوة عند اليهود (الكيبا)؟ وهل آلاف المسيحيين المقيمين بشكل نظامي بالمغرب يتفادون ارتداء الصليب خوفا من الاعتقال كما يزعم أصحاب هذه الافتراءات؟ وهل تنصب “شرطة المعتقد” المتاريس لمنع المؤمنين المسيحيين من ولوج الكنائس عند إقامة الصلوات؟
إنها مجرد “أضغاث أحلام” شخص تلاحقه، للأسف الشديد، قرارات الطرد من جمعيته بسبب ما اعتبرته في بيانها بأنها ” شبهات نصب واحتيال باسم الدين والإيمان والمعتقد”.