الدار/ رضا النهري:
لبنان لا ينافس إلا نفسه، ولا يتفوق إلا على ذاته، ليس في الأشياء الإيجابية فقط، بل حتى في الحروب والنكبات، إنه بلد يعاند لكي يكون كل شيء من نصيبه، الموت والحياة، وبأكثر الطرق تفردا.
المشاهد التي خلفها تفجير ميناء بيروت جديرة بفيلم سينمائي من طراز رفيع، ومن الأفضل أن يكون فيلما من الخيال العلمي، مع أن ما حصل يتفوق على مخيلات أبرع كتاب سيناريوهات الرعب والخيال.
المشاهد البشعة التي خلفها التفجير لم نرها حتى في أفلام الحروب الشرسة وأشرطة “الزومبي”، لقد تفوق لبنان حتى على خيال السينما، وهذا ما يمنح هذا البلد خاصية لا توجد في غيره.
لقد ظهرت جثث الضحايا متفحمة أو مقطعة إلى أطراف في الشوارع أو داخل السيارات، وهناك الكثير من المشاهد البشعة التي لم يتم التقاطها، أو التي تعذر نشرها، لأنها فوق طاقة المشاهدة، وبدا جزء واسع من بيروت وكأنه خارج للتو من فيلم “حرب العوالم”..
أما مشاهد الدمار فإنها كانت دائما مبتغى كبار مخرجي أفلام الكوارث، النار والدمار وسحب الدخان السوداء والجثث في كل مكان. كل شيء واقعي جدا، واقعي إلى درجة القرف.
كان اللبنانيون دائما يجتهدون لكي تكون بلادهم متميزة، فجعلوا منها في وقت ما “موناكو” الشرق، حين امتلأت بيروت بكل أنواع اللهو والترفيه والكازينوهات ووسائل الجذب السياحي، لكن اللبنانيين ملوا من ذلك بسرعة ودخلوا في حرب أهلية طاحنة، وهي لم تكن حربا أهلية خالصة، فقد لعبت فيها الأيدي الخارجية دورا أساسيا.
وبعد مرحلة معافاة قصيرة دخل اللبنانيون في حروب ضارية أخرى، كانت إسرائيل فيها العدو الأبرز، لكن بالموازاة مع الحروب مع إسرائيل، كانت الحروب السياسية تندلع بين الفرقاء اللبنانيين، الذين يتحاربون حول الحرب.
ويبدو أنه من المقدر للبنان ألا يتعافى لوقت طويل من أية نكبة يمر بها. صحيح أن الكثير من البلدان العربية صارت اليوم أسوأ منه، مثل ليبيا واليمن وسوريا وغيرها، لكن لبنان كان يمكنه أن يلعب دور القاطرة التي تجر خلفها عالما عربيا مثقلا بالتخلف والهموم، فصار لبنان في النهاية هما إضافيا ضمن الهموم العربية الكبرى.