عندما يلقي الملك خطاب الأزمة
الدار/ افتتاحية
من الواضح أن ما ورد في الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى 20 غشت ليس مجرد توصيف عابر للحالة الوبائية الخطيرة التي أضحى المغرب يعيشها في الآونة الأخيرة. فهذا الواقع معروف ومتداول، والأرقام التي كشف عنها توردها إحصاءات وزارة الصحة بشكل يومي. لكن النبرة التي تحدث بها الملك محمد السادس كانت أهم من مضمون الخطاب نفسه. إنها نبرة تدل على أن الأمر يتعلق بخطاب استثنائي يمكن تسميته بـ”خطاب الأزمة”. وليس من عادة الملك منذ اعتلائه العرش أن يصعد لهجته نحو هذا المستوى من الخطاب، وقلما سمع المغاربة منه ما يثير القلق أو التوجس حتى في ظروف سياسية وأمنية حالكة مرت بها البلاد.
لقد كانت الخطابات الملكية تنزع باستمرار نحو الطمأنة والبحث عن الحلول والعلاجات بدلا من التركيز على النقد وتشريح المشاكل أو الإثارة والتخويف. هذه سمة أساسية من سمات خطابات الملك محمد السادس الذي كان دائما يحرص على منح المغاربة شعورا بالأمان بكلماته وعباراته. نتذكر جميعا كيف كانت تنزل هذه الخطابات بردا وسلاما على المغاربة في أعقاب الأحداث الإرهابية التي ضربت البلاد في بضعة مناسبات. كما رأينا كيف شكل خطاب 9 مارس 2011 جسر أمان في خضم ثورات الربيع العربي. لكن ما سمعناه في خطاب يوم أمس يدل على مدى حساسية الوضع الذي بلغناه، بعد أن وصلت نسب الوفيات إلى أرقام قياسية وأصبحت أعداد الإصابات تتزايد بشكل صاروخي.
لكن هذه النبرة الملكية الجديدة لا تنطوي فقط على وعي عميق بحساسية وخطورة الوضع، وإنما توحي أيضا بنوع من خيبة الأمل من السلوك المجتمعي الذي تعامل به المغاربة مع جائحة فيروس كورونا، ومع قرار رفع إجراءات القيود والإغلاق. لقد ركز الملك على كلمة “السلوك” تركيزا بليغا، في إشارة واضحة إلى مسؤولية الأفراد والمجتمع عن مواجهة تحدي الجائحة والانتصار عليها. فعلى الرغم من كل الإجراءات التي تم اتخاذها فيما يتعلق بالوقاية والدعم والتنسيق وتعبئة المؤسسات وصياغة التشريعات ذهب المجهود الوطني سدى، وأضحت الوضعية على شفا الانهيار.
ولم يسبق للملك محمد السادس أن عبر يوما عن “التخوف” مثلما أشار إليه صراحة في خطاب يوم أمس، عندما قال “إن خطابي لك اليوم، لا يعني المؤاخذة أو العتاب؛ وإنما هي طريقة مباشرة، للتعبير لك عن تخوفي، من استمرار ارتفاع عدد الإصابات والوفيات”. وعندما يبلغ الأمر بالملك إلى حد التصريح بشعوره وقلقه العميق فهذا يعني أننا أمام خطاب من خطابات الصدمة التي لا بد منها في مثل هذه الظروف الاستثنائية الصعبة، من أجل استنهاض الهمم وإثارة الوعي والانتباه لدى عموم المغاربة بخطورة الوضع. وهو الأمر الذي لم تنجح كل حملات التوعية والخطابات الحكومية الرسمية في بلوغه وتحقيقه منذ بداية هذه الجائحة.
لكن التعويل على التفاعل المباشر والتلقائي لكل أفراد المجتمع يعتبر بالطبع مجرد مغامرة، لهذا لم يفت الخطاب الملكي أن يضع في حسبانه الكثير من الاعتبارات الواقعية التي لا بد منها استعدادا لما قد يأتي مستقبلا. وفي هذا السياق كانت الإشارة الهامة إلى دور المؤسسات ومكانتها، على الرغم من كل تلك النبرة القلقة، عندما أكد الملك أن قرار العودة إلى الحجر الصحي العام من جديد يظل خيارا ممكنا لكنه متروك للجنة العلمية المتخصصة. وتتضمن هذه الإشارة رسائل سياسية جد هامة تؤكد أن من أهم المكاسب التي خرج بها المغرب من أزمة جائحة فيروس كورونا تعزيز ثقافة المؤسسات.