لماذا يسترجع البيجيدي أسطورة تقليص المشاركة؟
الدار / افتتاحية
عندما كان يُطلب في السابق من حزب العدالة والتنمية تقليص مشاركته الانتخابية بعدم تقديم مرشحين في كل الدوائر الانتخابية، كان الحزب يستغل هذه الدعوات للترويج لخطاب المظلومية الذي يتقنه التيار الإسلامي. كان أعضاء الحزب حينها يعتبرون هذا التقليص “المفروض” من دوائر القرار فرصة لتعزيز انتشار الحزب وتقوية مصداقيته لدى قواعده، والتبشير بغزوات انتخابية في المستقبل إذا ما فتحت أمامهم كل الدوائر. وكم استفاد البيجيدي من قصة تقليص الترشيحات ومحاصرة الداخلية لمرشحيه. لقد كانت تلك الحقبة بمثابة بناء تاريخ “نضالي” لم يكن الحزب، الذي تم اختلاقه في سياق خاص، يمتلكه. ومنذ ذلك الحين نجح حزب العدالة والتنمية باستمرار في توظيف هذه القصة توظيفا انتخابويا جيدا لصالحه، مكنه من اختراق قناعات الكثير من طبقات المجتمع.
كان هؤلاء المخترقين يقولون لمخالفيهم “أنظروا لقد منعوهم من الترشيح”. وكانوا يوظفون حكاية المنع لإقناع الآخرين بأن الحزب الإسلامي يسير على الطريق الصحيح، ما دام قد تعرض لضغوطات من أجل تقليص ترشيحاته في الدوائر الانتخابية. واليوم وبعد أن تولى حزب العدالة والتنمية مسؤولية الحكومة لولايتين متتاليتين، وأصبح جزء من النظام السياسي القائم، ومشاركا في كل والبرامج والإجراءات، ومسؤولا عن كل القرارات التي تم اتخاذها في مختلف القطاعات في السنوات الأخيرة، يعود قياديو الحزب من جديد لخطاب المظلومية واستحضار زمن “المنع” بتقديم مقترح تقليص الترشيحات بشكل ذاتي.
لماذا يفتح إذا البيجيدي هذا الجدل حول تقليص المشاركة في هذه الظرفية بالذات؟ فعلى الرغم من أنه لم يتم الإفصاح بشكل رسمي عن هذه الدعوة إلا أن تصريحات عبد الله بوانو، القيادي في حزب العدالة والتنمية، التي عبر فيها عن رفضه آراء تدعو إلى تقليص نسبة مشاركة حزبه في الاستحقاقات البرلمانية المقبلة، أكدت ما تم تداوله عن تقديم مقترح بهذا الخصوص لقيادة الحزب، من طرف الوزير مصطفى الرميد. وفي غياب التأكيد الرسمي، يصبح الجدل المثار حول القضية أهم من المقترح نفسه بالنسبة لحزب العدالة والتنمية.
وتكمن أهمية هذا الجدل في الوقت الراهن في كونه محاولة لاسترجاع تلك الجاذبية المفقودة لدى الناخبين، والتي يمثلها حزب يتعرض للتضييق والمحاربة من طرف جهات رسمية. وعلى الرغم من أن الحزب لم يتلق أي دعوة من هذا القبيل، فإن من مصلحته اليوم أن يذكر الجماهير بأنه معرض باستمرار لذلك “التضييق التاريخي” ما يعني أنه حزب لا يزال يمتلك الوهج والشعبية ذاتها. ولا يمكن وصف إثارة هذا الجدل اليوم إلا بكونه ذكاء سياسيا من طرف الإسلاميين الذين أفقدتهم التجربتان الحكوميتان الكثير من الأنصار، وأثرت في القاعدة الانتخابية ولا أدل على ذلك خسارة الحزب لجل السباقات الانتخابية الجزئية التي خاضها في السنوات الثلاث الماضية.
ولأن قيادة البيجيدي واعية بمخاطر الخسائر الانتخابية المقبلة فإن اختلاق جدل ينتمي إلى الماضي يعتبر حاجة ضرورية في السياق السياسي الحالي، الذي تأثر كثيرا بفشل حكومة الإسلاميين في تدبير جائحة كورونا. فمن المعروف أن حزب العدالة والتنمية ينتمي لدائرة الأحزاب التي تركز في سياساتها التواصلية على شغل الفضاء الإعلامي بالبوليميك الدائم بما يعنيه ذلك باستمرار من تصدر المشهد، وإثارة انتباه الناخبين وتسجيل الحضور السياسي. لا يجب أن ننسى أن الكثير من القضايا الجدلية التي أثارها الحزب أو أثيرت حوله، خرجت أصلا من وسط هيئاته وعلى لسان أعضائه، ولنستحضر في هذه اللحظة الجدل الذي أثارته صور النائبة البرلمانية آمنة ماء العينين، وما تلا ذلك من نقاش حول أهمية الحجاب وموقعه في فكر الحزب وتوجهاته.