هل أثبتت حكومة العثماني أنها حكومة لوبيات؟
الدار / افتتاحية
قبل أيام كتبنا عن احتمالات حصول “فياسكو” كبير تقودنا إليه وزارة التربية الوطنية التي أصرت على تفعيل الدخول المدرسي في موعده المقرر رغم المؤشرات الوبائية المقلقة التي تزايدت في الآونة الأخيرة. هذا الاحتيال الكبير ربطناه بما يروج في الشارع عن حرص الوزارة على تمرير صفقات بيع الكتب واللوازم المدرسية وتسجيل التلاميذ وتحصيل مستحقات القطاع الخصوصي ثم اللجوء من جديد إلى إغلاق المدارس وملازمة المتعلمين لبيوتهم للدراسة عن بعد. هذا السيناريو هو الذي رأيناه يحدث بالأمس عندما قررت الحكومة إغلاق كل المؤسسات التعليمية بمدينة الدار البيضاء أكثر المناطق المغربية عرضة لوباء فيروس كورونا. وقد بدا مع تسجيل حصيلة إصابات قياسية تجاوزت لأول مرة ألفي إصابة أن هذا القرار هو الأقرب إلى الواقع. لكن لماذا تصر الحكومة على التواصل مع الشارع في ساعات متأخرة لا ينفع معها التراجع أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة؟
فثلما حصل في الليلة المشؤومة قبيل عيد الأضحى عندما قررت الحكومة منع التنقل بين المدن، وتسببت في ارتباك كبير أدى إلى تسابق في الطرقات وموجة غضب عارمة، عادت الحكومة مجددا للتواصل المرتبك ذاته وهي تعلن في ساعة متأخرة من يوم أمس الأحد عن قرار إغلاق المؤسسات التعليمية في مدينة الدار البيضاء واتخاذ مجموعة من الإجراءات الوقائية الجديدة. لماذا تغذي الحكومة كل طروحات المؤامرة المتداولة في الشارع بمثل هذه القرارات المتأخرة؟ لا توجد أي فائدة تذكر من تأخير قرار كهذا بالنسبة لمدينة الدار البيضاء، التي تشهد منذ أسابيع بعد عيد الأضحى انفجارا في الوضعية الوبائية.
صحيح أن قطاعا اقتصاديا كاملا ومهما يتوقف نشاطه وبقاءه على موسم الدخول المدرسي، وله مصالح ينبغي مراعاتها وحفظها، لكن الحكومة ليست مسؤولة من الناحية السياسية عن فئة أو شريحة مهنية أو اقتصادية معينة، وإنما هي مسؤولة عن تدبير مصالح شعب بأكمله، والدفاع عن حقوقه والاستجابة لمتطلباته. وقد بح صوت هذا القطاع الواسع من المجتمع وهو يطالب بتأجيل الدخول المدرسي بشكل موحد في كل الأكاديميات إلى وقت لاحق، لشهر أو شهرين، في انتظار اتضاح الرؤية بخصوص الوضعية الوبائية. لقد من الممكن لقطاع التعليم الخصوصي ولمنتجي ومستوردي الكتب واللوازم المدرسية أن يؤجلوا لبضعة أسابيع نشاط الذروة إلى حين فتح المدارس والمؤسسات وإطلاق الموسم الدراسي بصفة رسمية أكثر أمنا وأمانا.
من سيتخذ هذا القرار إذا لم تتخذه الحكومة؟ هي وحدها التي تمتلك سلطة القرار وشرعية التنفيذ، ولم يكن لأي جهة أن تتمرد عليه أو ترفض تنفيذه لو كان اتخذ بشكل صريح وشفاف وفي الوقت المناسب. لكن من الواضح أن حكومة السيد سعد الدين العثماني، حكومة لوبيات بامتياز. فمنذ تنصيبها شاب عملها الكثير من التضارب في القرارات سواء في وقت الأزمات أو حتى فيما قبلها. لقد شهدنا كيف قررت في وقت من الأوقات فرض الفوترة الإلكترونية ثم تراجعت عن ذلك بعد ضغوطات من شرائح مهنية معينة في قطاع التجارة. ورأينا أيضا كيف تحولت الكثير من القرارات والقوانين المبرمجة إلى وهم وتبخرت في الهواء مثلما حدث مع مقترح تسقيف أسعار المحروقات، ورأينا أيضا كيف بدت هذه الحكومة عاجزة وخاضعة أمام اللوبيات أيضا في تدبيرها لحملة المقاطعة التي استهدفت بعض المنتوجات الاستهلاكية. وها هي اليوم تؤكد بالملموس أن المصالح الاقتصادية والتجارية الضيقة لبعض الفئات قد تدفعها إلى اتخاذ قرارات مرتبكة، مثلما حدث عندما تقاعست عن إلغاء شعيرة عيد الأضحى وتسببت في الانفجار الوبائي الذي ندفع ثمنه اليوم.