الحرب على الفساد..هل هي معركة خاسرة؟
الدار / افتتاحية
يبدو من ديباجة التقرير السنوي الأول الذي أصدرته الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها أن الحرب على الفساد في المغرب معركة تكاد تكون “سيزيفية” إن لم تكن أزلية وخاسرة منذ بدايتها. فقد أشارت الهيئة في تقريرها إلى أنه رغـم حصول المغرب عـلى تنقيـط 43/100 برتبة 73/180 في مؤشر ملامسة الفسـاد برسـم سـنة 2018 ، وكسبِه لثلاث نقـط مقارنـة مـع سـنة 2017 التـي حصـل فيهـا على 40/100 برتبة 81/180؛ إلا أنـه عـاد ليتقهقر بسبع رتـب ويحل بذلـك بالمرتبة 80/180 سـنة 2019 بعد فقدانه نقطتين. هذا التقهقر يؤكد إذا أن كل “التقدم” في سلم الشفافية الذي كانت تدافع عنه الحكومة الحالية وسابقتها في السنوات الماضية مجرد دعاية لا قيمة لها.
بل إن التقرير المفصل ضرب في مقتل كل ما كانت تعتبره الحكومة إنجازات فيما يتعلق بفتح خطوط التبليغ عن جرائم الرشوة والمتابعات القضائية. لكن المثير في توقيت ومضمون هذا التقرير الجديد، هو تزامنه مع مناقشة مشروع قانون رقم 46.19 الذي يتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها في لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان. وتسير جل خلاصات النقاش الدائر حول هذا القانون في اتجاه تأكيد صورية هذه الهيئة، باعتبارها هيئة بدون صلاحيات تقريبا، لكنها بالمقابل تكشف عن توجه داخل البرلمان يحاول خلق صدام بينها وبين القضاء، من خلال الإصرار على مناقشة نقطة الصلاحيات.
ومن هنا تأتي كثير من المواقف التي اتخذتها الفرق البرلمانية تحت منطق “كلمة حق يراد بها باطل”، إذ يدافع بعض البرلمانيين عن ضرورة الفصل بين صلاحيات القضاء وصلاحيات الهيئة حتى لا يحدث ذلك التصادم، لكنه موقف ينطوي في الوقت نفسه على عقلية “الوضع القائم” أي احتفاظ الهيئة بصلاحياتها التقريرية الحالية التي لا تتعدى الرصد والمتابعة وإصدار التقارير السنوية. وهنا لا بد من التأكيد على أن الحرب على الرشوة والفساد في المغرب تحتاج إلى قرارات من كل الأنواع والمستويات، بما في ذلك القرارات الجريئة ومنها تمتيع الهيئة بصلاحيات كبيرة يكون على رأسها القدرة على تنصيب ذاتها في مواجهة الفساد والمفسدين.
لكن كيف سيتأتى ذلك والحال أن الأحزاب السياسية التي توكل لها مهمة تشريع القانون الذي يفترض أن يحد من الفساد تعتبر أكثر الهيئات فسادا وانحرافا؟ يكفي أن نتذكر أن ظواهر الفساد الانتخابي مثلا، تعتبر من أكثر وأخطر أنواع الفساد التي يعرفها المغاربة جيدا، واحتك بها أغلبهم سواء في الماضي الغابر، أو القريب. وأكبر دليل على أن إيكال مهمة محاربة الفساد للأحزاب وبرلمانييها يعتبر رهانا خاسرا، هو هذا التماطل المتعمد في إصدار التعديلات على القانون الجنائي، منذ 2016، من أجل تجريم الإثراء غير المشروع. فهذه التعديلات تراوح مكانها منذ أكثر من ثلاث سنوات، ويتخاذل نواب الأمة منذ ذلك الحين في الحسم في النقاط الخلافية المركزية، المتعلقة بمسطرة العقوبات التي ستفرض على مرتكبي هذه المخالفات.
لذلك فإن أصدق المقولات التي يتم تداولها في هذا الحقل، هي تلك التي تؤكد أن النجاح في محاربة الفساد مشروط بالإرادة السياسية. ولا يمكن أن يتحقق هذا الشرط في غياب مشاركة المؤسسات السياسية وعلى رأسها البرلمان والأحزاب التي يتعين أن تتحمل مسؤولياتها الكاملة في هذا المجال ونحن على مشارف سنة انتخابية. هذه السنة ستؤكد لنا بما لا يدع مجال للشك إن كانت هذه الأحزاب مستعدة فعلا للذهاب بعيدا في هذه المعركة التي تؤخر البلاد وتعطل التنمية وتؤجل الانطلاقة الحقيقية لقطار المجتمع الديمقراطي الحداثي المنشود.