عندما تتخذ تحقيقات الجزيرة صفر مسافة من قضاياها فانتظر التزييف
الدار/ افتتاحية
لا تستطيع قناة الجزيرة القطرية التخلص من ارتهانها للحسابات السياسية والإيديولوجية. فإذا كانت هذه المؤسسة الإعلامية قد ربحت رهان الانتشار والشهرة فإنها بالمقابل خسرت رهان المهنية والحياد. فها هي ذي تزج بنفسها وكل مواردها في حروب طاحنة لتغذية الانقسام العربي وتعميق جراحه بدلا من أن تضع هذه الإمكانات في جهود المصالحة وتعزيز الأمن والاستقرار. ولا يزال المشاهدون العرب والأجانب يتذكرون الدور الذي لعبته هذه القناة في تأجيج فتن الربيع العربي التي آلت في نهاية المطاف إلى حروب وانقسامات لا تزال تشتعل نيرانها.
ومن فرط العمى المهني الذي يحجب الصورة الكاملة عنها، تحاول قناة الجزيرة لعب أدوار أشبه بالأدوار المخابراتية والأمنية ببث وترويج أخبار مختلقة هي أقرب إلى الوشايات والدسائس منها إلى الأنباء التي تهم المشاهد. آخر هذه الوشايات الكاذبة تلك التي بثتها القناة ضمن برنامج “المسافة صفر- رسائل سيتا”. هذه الحلقة التي وصفت ظلما وعدوانا بالتحقيق، أقحمت في آخرها اسم موقع “الدار” باعتباره موقعا إلكترونيا مدعوما من دولة الإمارات. ولم يكلف مقترف التحقيق التلفزيوني نفسه عناء إثبات مقولته. لقد ألقاها هكذا على عواهنها دون أي أدلة أو براهين. واعتبر أن الموقع الإلكتروني المغربي “الدار” يعمل تحت إشراف شركتين إماراتيتين.
وبتتبعنا لمسار التحقيق نلمس جليا أن مقدماته لا علاقة لها بنتائجه. هناك تفكك واضح في مسار كشف الحقائق بالاعتماد على مقولات شائعة وغير مثبتة، أو على الأقل لا أحد يفهم من التحقيق كيف تم إثباتها. إذ يكتفي مقترف التحقيق بالقول “من خلال بحوث رقمية مكثفة” دون أن يكشف لنا من أجرى هذه البحوث وكيف أجراها وهل هو من أهل الخبرة والاختصاص لنتأكد من أن النتائج المعلنة حقائق لا نقاش فيها. هذا فقط جانب واحد من جوانب الضعف والارتباك الذي يشوب “التحقيق” المزعوم، يفترض أن يستذكر من خلاله “محققو” قناة الجزيرة أن صناعة التحقيق لا مصداقية لها إلا إذا أوكلت الأمور إلى أهل الخبرة وإعلان مدى تمكنهم منها أمام الجمهور.
إن موقع الدار الإلكتروني الذي زج به برنامج “صفر مسافة” يستغرب اليوم من هذا الإقحام الذي تعرض له اسمه في دوامة الصراعات القطرية الخليجية. فمنصتنا الإلكترونية مؤسسة إعلامية مغربية خالصة أُسس برأس مال مغربي مائة بالمائة وتحتضنه شركة مغربية ولا حاجة بشركة إيواء إماراتية مقرها القاهرة كما يدعي التحقيق المزعوم. فقد اخترنا منذ تأسيس هذه التجربة الإعلامية أن نحتضن وطننا ونرتمي في أحضانه فكان مقرنا في الرباط بطاقم من الكفاءات الصحفية والإعلامية المغربية. لقد كان بإمكان مقترفي “صفر مسافة” التأكد بسهولة من هذه المعلومات بطلبها خصوصا أنها كلها متوفرة في جميع وثائق الموقع وملفه المتكامل بمكتب النيابة العامة بالمحكمة الابتدائية بالرباط ووزارة الاتصال والمجلس الوطني للصحافة.
إن تحقيق الجزيرة الذي لم ينجح في اتخاذ المسافة اللازمة من القضية التي تناولها لا يعير أي أهمية لخطورة المعلومات الزائفة التي روجها. وهنا لا بد من تذكير إدارة القناة القطرية بأن أول ما يجب أن تراعيه مؤسسة إعلامية في حجم الجزيرة هو أخلاقيات المهنة، المتعارضة تماما مع التحيز والافتراء والأدلجة التي تتعامل بها مع مختلف القضايا المعالجة. لقد كان خطنا التحريري في موقع الدار واضحا لا مجاملة فيه أو عداء لأي دولة لأي بلد، همُّنا الوحيد فيه هو الدفاع عن وطننا المغرب ومقدساته وثوابته غير القابلة لأي مزايدة أو إغراء. لكن الظاهر من الجريمة التلفزيونية التي اقترفتها الجزيرة، أنها تستهدف بالأساس كل مؤسسة إعلامية تتخذ موقفا واضحا ومعلنا من تيار الإسلام السياسي.
فهل كان الدافع وراء إقحام موقعنا الإلكتروني ضمن قائمة خصوم قطر والجزيرة هو موقفنا الثابت المعارض لتسييس الدين وتحويله إلى وقود للصراعات العربية العربية والعربية الإسلامية؟ هذا سؤال يجب على قناة الجزيرة أن تجيب عليه، وتوضح لنا ولمشاهديها حقيقة هذا الإقحام المغرض، وأن تقر بخطئها وتتداركه في أقرب الآجال بما يليق من شرف الاعتذار ونبل الاعتراف.
إن موقع “الدار” ليس في حاجة للدفاع عن مهنيته ومصداقيته، فمنجزاته تشهد له بذلك، حيث استطاع في ظرف وجيز انتزاع اعتراف أهل المهنة بحصوله سنة 2018 على الجائزة الوطنية الكبرى للصحافة بالمغرب في صنف التحقيق- الصحافة الالكترونية. وهذا الموقع لا ينتظر من الجزيرة التي تحولت لآلة دعائية للحرب أن تشهد له بالمهنية والكفاءة، لأن دليلها ملحوظ من عدد متابعينا على الموقع وصفحات التواصل الاجتماعي وما نتلقاه من تعليقات من قراء ومشاهدين مغاربة يدعموننا لمواصلة مسارنا.