الملك يضخ جرعة إنعاش جديدة في الاقتصاد الوطني
الدار / افتتاحية
بينما تنشغل الأحزاب السياسية والبرلمانيون والمنتخبون بالجدل الدائر حول القاسم الانتخابي واللوائح الوطنية والنسائية وإجراءات الانتخابات التشريعية المقبلة، يوجه الملك محمد السادس في خطابه اليوم الجمعة بمناسبة افتتاح البرلمان رسائل قوية قوامها إجراءات اقتصادية واجتماعية وإدارية ملموسة لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية على المجتمع وعلى الاقتصاد الوطني. قليل من السياسة كثير من الاقتصاد والإجراءات التي يرتقب أن تساهم في إنعاش الحركية الاقتصادية وإعطاء دينامية جديدة لنسيج المقاولات الذي تضرر كثيرا بسبب تداعيات الجائحة.
في طيات هذا الخطاب الذي فصل في مختلف التدابير المتخذة والمزمعة، رسالة سياسية قوية إلى المنتخبين والأحزاب لخصها الملك محمد السادس في الفقرات الأخيرة وهو يوجه كلامه إليهم قائلا “نغتنم هذا الموعد الدستوري الهام، لندعو كل المؤسسات والفعاليات الوطنية، وفي مقدمتها البرلمان، للارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة، وتطلعات المواطنين”. وبغض النظر عن أهمية ما تم الإعلان عنه سواء فيما يتعلق بتأسيس صندوق محمد السادس للاستثمار أو تعبئة مليون هكتار للاستثمارات الفلاحية أو استكمال ورش التغطية الصحية والتقاعد، فإن تجنب الخطاب الملكي الخوض في النقاشات السياسية الدائرة المتعلقة بالبرلمان أو الانتخابات، يؤشر على حجم المسؤولية التاريخية التي تستشعرها المؤسسة الملكية في ظرفية أزمة غير مسبوقة.
هذا ما يفسر افتتاح الملك خطابه بالتذكير مباشرة بأن افتتاح البرلمان يجري هذه السنة في ظرفية استثنائية تتميز باستمرار الأزمة الصحية، التي تتطلب بالضرورة خطابا من خطابات الأزمة بتقديم الحلول العملية بدل الدخول في الجدل والنقاش الذي لا يخدم البلاد في الوقت الراهن. إن طلب الملك محمد السادس من البرلمانيين الارتقاء إلى مستوى تحديات هذه المرحلة ينطوي على نقد ضمني لكل الانشغالات السياسوية الضيقة التي يتقنها بعض المنتخبين وتحترفها بعض الأحزاب في زمن نحتاج فيه جميعا إلى تضافر الجهود، أغلبية أو معارضة، إلى حين العبور نحو بر الأمان.
بر الأمان هذا هو الذي دعا الملك محمد السادس إلى دخوله من خلال إجراءات وأهداف اقتصادية مهيكلة لتحفيز الاستثمار والتشغيل، وتثمين الإنتاج الفلاحي الوطني، وتسهيل الاندماج المهني بالعالم القروي، وفقا للإستراتيجية الفلاحية الجديدة، إضافة إلى النهوض بالاستثمار، والرفع من قدرات الاقتصاد الوطني، من خلال دعم القطاعات الإنتاجية، وتمويل ومواكبة المشاريع الكبرى، في إطار شراكات بين القطاعين العام والخاص. كل هذه الأهداف تعتبر جزء من الخطة الملكية لإنعاش الاقتصاد، والتي شملت الجوانب الاجتماعية والموارد البشرية ودعامة الإدارة.
ويأتي خطاب افتتاح البرلمان بهذا النفس الإصلاحي مباشرة بعد الخطاب الملكي بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب في 20 غشت الماضي، والذي شكل رسالة قوية للمجتمع ومؤسسات الدولة من أجل تحمل كامل مسؤولياتها فيما يتعلق بمواجهة وباء فيروس كورونا المستجد واحترام التدابير الاحترازية المتخذة ضده. وإذا كان خطاب ثورة الملك والشعب قد مثل رسالة تنبيه وتحذير، فإن خطاب افتتاح الدورة البرلمانية يمثل خارطة عمل وتنزيل لمقتضيات خطة الإنعاش التي أعلنها الملك في خطاب العرش في شهر يوليوز الماضي بضخ 120 مليار درهم في الاقتصاد الوطني، وتحويلها إلى واقع ملموس، للحد من تداعيات الأزمة الاقتصادية العميقة.
إن الخطاب الملكي يظهر من جديد الفرق بين ممارسة السياسة بمنظور الصدام والتسابق والمزايدات، وبين ممارستها بمنظور المسؤولية التاريخية والفعل على أرض الواقع، بإعلان إجراءات عملية جديدة لن تساهم فقط في الحد من تداعيات الأزمة، وإنما تحضر المغرب هيكليا وإداريا وبشريا لعالم ما بعد أزمة فيروس كورونا، بشرط استحضار التضامن الوطني والتحلي بروح المسؤولية.