بين الغاضبين ووهبي..كيف يمكن إعادة إنتاج البام من جديد؟
الدار / افتتاحية
لم يمض على تصريح عبد اللطيف وهبي الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة لقناة “بي بي سي” بأنه يريد أن يكون الحزب مستقلاً يشتغل في إطار الدولة ولكن لا يتماهى معها ولا يشتغل بين أحضان السلطة، حتى عاد الحزب مجددا إلى حرب البيانات والبلاغات الداخلية. فقد اتهم أعضاء ”غاضبون” منتسبون لحزب الأصالة والمعاصرة الأمين العام للحزب بتحويله إلى مجرد ” بائع حزبي متجول”، مشيرين الى أن المتحكمين الحاليين في مفاصل الحزب يسلكون سلوكا ”بهلوانيا غير مسؤول، مضمراته عقد نفسية عميقة”، ينتج حاليا نقيض ما أنشئ الحزب من أجله.
هذا البلاغ الجديد ليس سوى امتداد لبلاغات وبيانات صدرت مرار وتكرارا في تاريخ هذا الحزب الذي لم يستطع رغم مضي حوالي 12 عاما على تأسيسه أن يستقر على قيادة حزبية مجمع عليها، وقادرة على أن تحظى بالطاعة الحزبية التي تحظى بها قيادات أخرى في أحزاب مثيلة أو سابقة. فرغم أن بلاغ الغاضبين الذين من بينهم برلمانيون حاليون أو سابقون، يحاول وضع النقاط على الحروف بالتأكيد على خرق القيادة لمقتضيات القانون التنظيمي للأحزاب السياسية الذي يقضي بـ” تغليب منطق الانتخاب ومبدأ الديموقراطية في تحمل المسؤولية داخل أجهزة الحزب، بعيدا عن منطق التعيينات” إلا أن هذا الاحتجاج الجديد لأعضاء من الحزب ليس سوى جزء من أزمة بنيوية عميقة يعانيها الحزب منذ تأسيسه.
فالحزب الذي يمتلك قوة برلمانية هائلة، لم يستطع رغم ذلك أن يبني تصورا خاصا لممارسة دوره كحزب معارض، يفترض أن يشكل حجر عثرة في وجه كل المشاريع الحكومية التي لا تسير وفقا لرؤيته وتصوره السياسي والاقتصادي. لكن تأمل المشهد البرلماني يظهر بجلاء أن الجرار لم يلعب أبدا هذا الدور، وأنه تحول تدريجيا إلى خزان أصوات توجه في الغالب لصالح مشاريع الحكومة ومبادراتها وقوانينها، بينما تظل الأصوات المعارضة فيه ذات طابع استعراضي واضح لا يمكن أن تحول المعارضة إلى مؤسسة حقيقية في مواجهة المؤسسة التنفيذية.
ومن مظاهر هذه الأزمة البنيوية التي يعيشها الحزب، وتتمظهر بين الفينة والأخرى عبر هذه الأعراض التنظيمية، ذلك التيه الإيديولوجي الواضح، الذي قاد في النهاية إلى انتخاب الأمين العام عبد اللطيف وهبي المعروف بقربه الصريح من حزب العدالة والتنمية. بالنسبة للعديد من أعضاء الحزب السابقين والحاليين، فإن هذا القرب يعتبر في حد ذاته خروجا عن رسالة الحزب ومشروعه الأصلي، الذي كان قد تأسس لأجله، وكان شعاره الكبير هو مواجهة الحزب الأغلبي، أو سيطرة حزب وحيد على الساحة السياسية. وكان هذا الحزب طبعا هو حزب العدالة والتنمية. بعبارة أخرى إن كل الصراعات الداخلية التنظيمية التي عرفها الحزب في السنوات الأخيرة وإبان ولاية الأمين العام الأسبق إلياس العماري ليست سوى مرحلة جديدة في مراحل بحث الحزب عن تبييض صفحته، بعد أن ارتبط اسمه منذ تأسيسه بالعديد من الكائنات الانتخابية والأعيان والعصبيات الجهوية وغيرها من أمراض الديمقراطية.
ومن هذا المنطلق فإن دعوة الأمين العام عبد اللطيف وهبي للابتعاد عن حضن السلطة لضمان نجاح الحزب، لا يمكن أن يضمن استمرارا لهذا الحزب بمكوناته الحالية، التي تنتمي في معظمها إلى هذا الإرث السياسي، لمنطق الأحزاب الإدارية. هذا يعني أن دعوة وهبي ومطامح الغاضبين ليست سوى صيحة في وادي تحتاج إلى من ينصت إليها بإجراء ذلك التغيير الفكري والثقافي العميق الذي يمكن أن يبني حزبا لا يمتلك فقط قوة عددية بل مشروعا سياسيا حقيقيا يخلق التوازن المطلوب في الساحة السياسية.