لماذا يراود حلم العودة كل السياسيين المغاربة؟
الدار / افتتاحية
تقاعد عبد الإله بنكيران لكنه يلوح باستمرار بأنه عائد إلى الميادين، ويدعو أنصاره اليوم إلى عقد مؤتمر استثنائي للحزب لكي يجد موطئ قدم ويرجع إلى المسؤولية، ورحل حميد شباط لسنتين كاملتين حتى قال الناس إنه اختار المنفى ولن يعود، لكنه فاجأ الجميع ورجع ليجد مقعده في البرلمان ينتظره. ورحل إلياس العماري إلى الخارج بدوره، وبين الفينة والأخرى يلوح أنصاره بأنهم في حاجة إليه وإلى قيادته لإنقاذ الحزب. وعندما احتدمت المنافسة داخل حزب الأصالة والمعاصرة حول خلافة حكيم بنشماش لم يتردد محمد الشيخ بيد الله في التعبير عن رغبته في العودة إلى قيادة الحزب. ولا يزال نبيل بنعبد الله المعفى من وزارة السكنى يقدم نفسه بديلا سياسيا مطروحا في الساحة رغم استنفاذ سيرته الذاتية لكل المسؤوليات والمناصب.
هذا هو حال الساسة والزعماء والمسؤولين في بلادنا. لا يؤمنون بتاتا بالتقاعد، ليس من فرط كفاءتهم وعطائهم وإبداعهم في حل المشكلات والتصدي للمعضلات، وإنما كما هو معروف لدى الجميع، من فرط تشبثهم بالمناصب والكراسي التي اعتادوا الجلوس عليها. هناك جاذبية خاصة وقوية تتميز بها المسؤولية السياسية والوزارية في بلادنا، تجعل زعيم حزب الحركة الشعبية امحند العنصر مثلا، يستعد لترشيح نفسه في المؤتمر القادم لحزب الحركة الشعبية، للحفاظ على مسؤولياته كأمين عام للحزب الذي يرأسه منذ 1986. أي منذ 34 وثلاثين عاما. وهذا ما يفسر أيضا تلك الشراسة التي دافع بها النائب البرلماني ادريس الأزمي عن حق النواب والوزراء والمسؤولين في الاستفادة من الامتيازات التي يحظون بها.
لنتخيل أن المنصب السياسي لم يعد يقدم لصاحبه أي امتيازات مادية أو اعتبارية كتلك التي نعرفها جميعا، هل يمكن أن يصر حميد شباط الذي قرر في لحظة من اللحظات مغادرة البلاد على العودة من جديد استعدادا لأفق لا يعلمه إلا هو، الذي عاد من أجله؟ من المؤكد أن آفة الشيخوخة والتشبث بالمناصب والمسؤوليات إلى آخر رمق إنما مرده إلى طبيعة هذه المسؤوليات وما يحيطها من بذخ الامتيازات والعطايا والهوامش الريعية التي لا حدود لها. لا نتحدث هنا فقط عن الرواتب والمعاشات، فتلك ليست سوى غيضا من فيض ما يمتلكه الكثير من النخب السياسية التي أنعم الله عليها، وإنما الأهم طبعا هو تلك الشبكة الواسعة جدا من العلاقات والاتصالات والارتباطات بكل مراكز القرار والإدارة، القادرة على حل كل مشاكلك والاستجابة لكل طلباتك بجرة قلم أو مكالمة هاتفية.
من الطبيعي إذا أن يتشبث البرلماني بالترشح للمرة المائة بعد الألف، ومن الطبيعي أن يكون لدينا في المغرب عميد برلمانيي العالم، السيد عبد الواحد الراضي، الذي دخل القبة أول مرة سنة 1963 ولم يخرج منها إلى يومنا هذا، وسيعود لا محالة للترشيح لدخولها مجددا في انتخابات 2021. العودة بالنسبة لسياسيينا ومسؤولينا هي الأصل، وهي القاعدة، هذا إذا قُدر لهم أن يغادروا مواقعهم لهذا السبب أو ذاك. إن الدافع الأساسي غالبا ما يكون اجتماعيا، إذ يجد السياسي المتقاعد نفسه ضمنيا في خضم مقارنة بين وضعه السابق، كمسؤول أو منتخب، وبين وضعه اللاحق كمتقاعد لا يكاد هاتفه الشخصي يرن إلا نادرا. يكفي أن يقضي مسؤول قضى سنوات طوال محاطا بكل “الهيلمان” الذي كان يحظى به في السابق، يوما واحدا دون ذلك، ليتجدد لديه حلم العودة وبدوافع قوية جارفة، ثم يتحول الحلم إلى حق في منظوره الخاص، يسعى بكل ما أوتي من قوة إلى استعادته، حتى ولو تطلب من الأمر عقد مؤتمر استثنائي أو تغيير القوانين التنظيمية.