أخبار الدارسلايدر

ماذا يعني فتح قنصلية الإمارات في العيون؟ 

الدار / افتتاحية

بماذا يمكن وصف قرار الإمارات العربية المتحدة فتح قنصلية لها في مدينة العيون؟ إنه قرار نوعي وتاريخي وله ما بعده. بل لن نبالغ إذا قلنا إنه قرار دبلوماسي يمثل مقدمة للكثير من التحولات التي ستعرفها المنطقة وسيشهدها بالخصوص ملف الصحراء المغربية. كل القنصليات التي فتحت في السابق من دول إفريقية صديقة تمثل خطوة هامة في مسلسل إثبات شرعية مغربية الصحراء، لكن فتح قنصلية الإمارات العربية المتحدة يعادل وحده كل ما مضى إنجازه ويتفوق عليه من حيث الأثر الدبلوماسي الدولي المتوقع. لا داعي للتذكير في هذا السياق بالمكانة الدبلوماسية العابرة للقارات التي أصبحت تتمتع بها أبو ظبي بفضل علاقاتها المميزة مع جل القوى الدولية الوازنة.

لكن أهمية هذا القرار لا تتوقف فقط عند آثاره الدولية المتوقعة على ملف الصحراء المغربية، بل له دلالة أخرى لا تقل أهمية تتعلق بتجلية حقيقة العلاقات الثنائية المغربية الإماراتية. لقد اجتهد الكثير من المتابعين والمحللين في السنوات القليلة الماضية من أجل إثبات ادعاء لا دليل عليه يزعم أن العلاقات بين البلدين تمر بفترة جفاء متبادل، وأنها بلغت حد توقيف الكثير من برامج التعاون المشترك، ووصل الأمر بالبعض إلى حد الادعاء بوجود مخططات اختراق وتآمر من هذا الطرف أو ذاك. وبينما ظل الصمت سيد الميدان، كانت القرارات العملية هي الجواب الحازم على كل هذه المزاعم. ولا شك أن فتح قنصلية الإمارات في العيون أكثر هذه الإجابات حزماً وإيضاحاً لحقيقة للعلاقات الاستراتيجية الراسخة بين البلدين.

إن هذا القرار يؤكد فعلا أن الاختلاف لا يفسد للود القضية. فعلينا أن نعترف أن مواقف وآراء وتوجهات البلدين ليست دائما متطابقة ولا تسير بالضرورة على سكة واحدة. لكن هذا الاختلاف لم يتحول إلى خلاف في تجربة علاقات أبوظبي والرباط. هناك احترام متبادل للسيادة الوطنية لكل من البلدين وتفهم كبير للمواقف التي يمكن أن يتخذها كل طرف في ملفات قد تكون أحيانا مشتركة، لكن زوايا النظر والتعامل معها تختلف. لذلك يجب أن نفخر بما حققه البلدان في تدبير علاقاتهما الثنائية بذكاء كبير يراعي أساساً مصالحهما الوطنية العليا، ويضمن لهما موقعاً في عالم يعيش مخاضاً قد يفرز نظاما عالمياً جديداً.

من هذا المنطلق يجوز لنا أن نتفاءل إلى حد بعيد بمآل قضية وحدتنا الترابية وهي تتعزز اليوم بدعم صريح وقوي من دولة مؤثرة كالإمارات العربية المتحدة، لن تتردد في حشد آلياتها الدبلوماسية وتأثيرها الإقليمي والدولي للدفاع عن حقنا التاريخي، الذي تآمر عليه الجيران في ليالي الحرب الباردة الغابرة. وإذا كان المغرب قد قدم ولا يزال يقدم الغالي والنفيس لحماية وحدته الترابية، فإن هذا لن يعني بالضرورة أنه سيحيد عن ثوابته تجاه القضايا القومية، وما أقدمت عليه الإمارات العربية من قرار شجاع أكبر دليل على أن المغرب يسير بخطى حثيثة واستراتيجية جديدة نحو طي هذا الملف الذي طال أكثر من اللازم.

هذا القرار الشجاع يأتي في ظرفية دولية حساسة في ظل ترقب العالم لانتخاب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. كما أنه يستمد قوته من تزامنه مع حملة جزائرية جديدة ينفذها بعض عناصر مرتزقة البوليساريو في منطقة الكركرات. وهو بذلك يمثل أبلغ رد ممكن على أوهام الدويلة الكرتونية المزعومة. ولهذا سنترقب في الأسابيع والشهور القليلة المقبلة الزخم الجديد الذي ستعيشه الأقاليم الجنوبية على مستوى النشاط القنصلي وتوافد التمثيليات الأجنبية العربية والإفريقية والأجنبية. فوراء أبوظبي حلف عربي وإقليمي ودولي وازن وواسع سيساهم لا محالة في تحريك كثبان الجمود والتعنت والعدمية.

زر الذهاب إلى الأعلى